اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تُشير التطورات على الأرض إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار المُبرم بين لبنان و «إسرائيل»، والذي بدأ تطبيقه في 27 تشرين الثاني 2024 مُهدّد بالسقوط، بسبب الخروقات «الإسرائيلية. وإذا كان هذا المقال ذا طابع اقتصادي بحت، لن نتطرّق إلى الشق السياسي، وسيكون التركيز على احتساب الخسائر الاقتصادية الناتجة من عودة محتملة للحرب وهجوم «إسرائيلي» جديد على لبنان.

عمليا، وفي ظّل فرضية عودة الحرب لأي سبب كان، سيتكبّد لبنان خسائر مباشرة وغير مباشرة كبيرة، نظرا إلى الاستهدافات التي قد تتوجّه هذه المرّة باتجاه البنى التحتية اللبنانية، وباتجاه الممتلكات الحكومية، خصوصا أن العدو «الإسرائيلي» يُحمّل الحكومة مسؤولية تطبيق شروط الاتفاق.

يعاني لبنان الذي يعيش أصلًا في أزمة اقتصادية حادّة منذ العام 2019، من ضعف هائل في مؤسساته، يجعله عرضة للعدوان الخارجي، ولكن أيضا للتخبّط الداخلي بكل أنواعه. أضف إلى ذلك وجود نزوح لمواطنين لبنانيين بسبب احتلال «إسرائيل» لمناطق كثيرة من لبنان، وبالتحديد على الحدود الجنوبية للبنان. ولم تساعد الخروقات «الإسرائيلية» المتتالية على تطمين الجانب اللبناني الذي يعتبرها البعض تحضيرا لصراع جديد سيندلع مع انتهاء فترة الستين يوما المتفق عليها في بنود الاتفاق.

وزيادة على كل ما ورد، هناك توجّه دولي واضح وضغوطات ديبلوماسية كبيرة لفرض تطبيق الإتفاق على لبنان، حتى ولو تطلّب الأمر تدخّلا عسكريا جديدا (؟!). إذًا ومما سبق نرى أن مخاطر عودة الحرب عالية جدا، خاصة إذا استمرت الخروقات «الإسرائيلية»، وفي ظل فشل الديبلوماسية في تمكين وقف إطلاق النار إلى ما بعد الستين يوما.

وفي ظل فرضية عودة الحرب، تتوقّع مصادر سياسية أن يكون هناك استهداف للبنى التحتية على كل الأراضي اللبنانية ، وهو ما لم تقم به «إسرائيل» في عدوانها الأخير على لبنان. وبالتالي، ستكون الفاتورة الناتجة من تدمير هذه البنى التحتية كبيرة جدا، قد تتخطّى ملياري دولار أميركي، في فترة لا تزيد على خمسة عشر يوما في حال عدوان جنوني.

أيضا سيكون هناك خسائر هائلة على القطاع السياحي، الذي خسر في العام الماضي ما يُقارب الـ 3.7 مليار دولار أميركي. وسيكون أيضا هناك خسائر في الناتج المحلّي الإجمالي، قد تتخطّى حدود الـ 10% يوميا في حال تمّ استهداف النشاط الاقتصادي في ظل جنون عسكري.

قمنا بتقدير الخسائر المباشرة وغير المباشرة على فترة خمسة عشر يوما من العدوان، في ظل ثلاث فرضيات: الأولى عمليات محدودة، والثانية تقدم في الأراضي اللبناني والثالثة هي عبارة عن سيناريو جنوني، حيث يستهدف العدو الحجر والبشر من دون تمييز.

في ظل السيناريو الأول، ستكون الخسائر الإجمالية 843 مليون دولار أميركي، وهو ما يوازي 3.65% من الناتج المحلّي الإجمالي. وفي ظل السيناريو الثاني تخطّت الخسائر الـ 1.38 مليار دولار أميركي أو ما يوازي 5.97% من الناتج المحلّي الإجمالي. وفي ظل السيناريو الجنوني، تخطّت الخسائر الإجمالية 2.9 مليار دولار أميركي، أي ما يوازي الـ 12.7% من الناتج المحلّي الإجمالي.

هذه الخسائر تمّ احتسابها على فترة خمسة عشر يوما من العدوان، وعلى أساس معطيات الحروب السابقة. بالطبع شملت المحاكاة أيضا الخسائر البشرية وأعداد النازحين، نتيجة العدوان في ظل كل سيناريو، والنتيجة كانت سلبية جدا، خصوصا أن الأرقام التي استخدمناها في المحاكاة، هي تلك الصادرة عن وزارة الصحة اللبنانية.

ويمكن الجزم أنه وفي ظل أي سيناريو من هذه السيناريوهات، ستكون فترة التعافي الاقتصادي والاجتماعي أطول مما يتطلّبه الوضع الحالي، وقد تمتدّ فترة التعافي من عدوان جديد إلى عقود في حال اتخذ هذا الأخير طابع جنوني.

من هذا المنطلق، نرى ضرورة تفعيل عمل الديبلوماسية خارجيا وداخليا، لتفادي إعطاء العدو أي ذريعة للقيام بعدوان جديد، أصبح مكلفًا جدا في ظل المعطيات الأخيرة. وبالتالي، هناك إلزامية لإعادة تكوين السلطة التنفيذية من رئيس جمهورية وحكومة أصيلة، وملء الشغور الإداري والقضائي والمالي في مؤسسات الدولة ، والبدء بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على دعم مالي، مقابل إصلاحات أصبح القاصي والداني يعرفها.

هذا الأمر هو أمر إلزامي أخلاقيا، على السلطة السياسية القيام به تجاه شعبها ، لتفادي الكوارث الاقتصادية والاجتماعية التي ستنتج من التلكؤ بالقيام بإصلاحات، أصبحت جوهرية لديمومة الكيان اللبناني، وبخاصة أن تسلسل الأحداث الإقليمية يشير إلى أن هناك طفرة اقتصادية آتية من إعادة إعمار سورية، وتطوير التعاون الاقتصادي الإقليمي، واستخراج الغاز من شرق الحوض المتوسّط... وكل من لا يركب القطار سيخسر الكثير من الفرص الاقتصادية.

فحبّذا لو أن السلطة السياسية تعي أهمّية انخراط لبنان في هذا المسار ، مع ما له تداعيات إيجابية على حياة المواطن اللبناني ورفاهيته وعلى القطاع الخاص اللبناني، الذي يمتلك كل ما يلزم ليُحلّق بأدائه. فهل نشهد نهاية المأساة اللبنانية هذا العام، أو أن الأمور ستطول أكثر؟ وحده التاريخ قادر على الجواب عن هذا السؤال.

الأكثر قراءة

مصير الرئاسة والهدنة يحسمه هوكشتاين حزب الله: مُنفتحون على قائد الجيش... ولا «فيتو» سوى على سمير جعجع