اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

د. منير الحايك

من يعرف ممدوح حمادة، وشاهد ما شاهد من أعمال درامية ألّفها، ولعل أشهرها "ضيعة ضايعة" و"الخربة" وصولًا إلى "الواق واق" التي لا تقل قيمة عن كل أعماله السابقة ولكن، لأسباب ليست من ضمن أولويات موضوعنا الآن، لم تأخذ حقّها من الانتشار، لا يستغرب أن يقرأ له، بوصفه قارئًا عاديًّا يهوى متابعة الأدب من شعر ورواية وقصة، وعلى الرغم من أن كتابة السيناريو من حيث الشكل لا تشدّ المتلقي العادي، إلّا أنّ حمادة قرر تقديم نصوص في قالب معروف للمتلقي، القصة القصبرة، ليثبت أنّه قاصّ من صفوف النخبة.

نشر حمادة مع دار ممدوح عدوان سلسلة من القصص القصيرة تحت عنوان "دفاتر ممدوح حمادة"، كان أولها "دفتر الأباطرة" عام 2016، وآخر "دفتر الدراما" عام 2023، وقد قرأت أربعة منها، دفتر الأباطرة ودفتر الحرب ودفتر الغربة ودفتر الإجباري. المتلقي يعرف الكثير عن شخصيات حمادة، فمن منا لا يعرف سعيد النايحة "بطل من هذا الزمان" وأسعد وجودي والمختار البيسة من "ضيعة ضايعة"، أو لا يعرف بونايف وبو نمر من "الخربة"، أو خليل وسلام من مسلسل "الحقائب"، ولعلّ آخرهم من الواق واق، الماريشال "عرفان الرقعي" دبل ركن مش مح!؟ وعشرات الشخصيات التي تسكن في مخيلة أجيال من جميع أطياف العالم العربي. ولكن لن تكون هي موضوع المقال.

حمادة في هذه السلسة قاصٌّ قدّم نصوصًا أدبية شخصياتها قد تشبه من عرفناهم وأداها ممثلون محترفون، ولكن حِرَفية الكاتب في تقديمها على الورق، أنه أخذ بيد متلقّيه إلى إعمال الخيال بشكل سلس ومحبَّب، ولأن النصوص منشورة بعد مشاهدة أهم أعماله على الشاشات، فقد كان يأخذ بيده ليشاكه في اختيار الممثلين لو كُتب لهذه الشخصية أن تؤدَّى، وهذا من وجهة نظري ذكاء من الكاتب بالنسبة إلى توقيت اختيار النشر، فكانت نصوصه منذ نصه القصصي الأول المكتوب عام 1987 بعنوان "الرائحة"، نابضة بالحياة والواقعية والسخرية، البيضاء منها والسوداء.

"دفتر الأباطرة" كان الإصدار الأول، ضمّ مجموعة من القصص التي، من حيث فكرة كل منها وجدّتها، ومن حيث الحبكة والحركة والعلاقات، بين شخصياتها وأزمنتها وأمكنتها، تعبّر عن فكر متحرر وتقدّميّ للكاتب منذ قراره احتراف الكتابة، ولعل قصة "بعد الهزيم" في هذه المجموعة، والتي تنتهي بجملة "منذ ذلك اليوم لم تعد الأباطرة تتحدث بأفواهها" بعدما "ضرط الإمبراطور" الأول، وهللت الجماهير كل لإمبارطورها، تحمل المتلقي إلى التفكير بعبقرية هذا الكاتب الذي كان مقدامًا في تحدّيه ومعارضته وثقافته.

في الدفاتر التالية نجد الأسلوب نفسه، واللغة نفسها، ألّف فيها قصصًا كثيرة تنوّعت موضوعاتها، منها ما نجد شخصية الكاتب فيها حاضرة بقوة، ومنها ما نجد، إن كنا من متابعي إنتاج الكاتب الدرامي، شخصيات شاهدناها على الشاشات، ولكن الأكيد أننا سنستمر بالقراءة بمتعة مختلفة وجديدة، وهنا تكمن البراعة.

فيما أقوله هنا لا أقوم بتحليل عميق أو التركيز على اللغة أو الأسلوب أو الأفكار أو المعالجة بشكلها العام، ولن أتعمق في تقنياتها والسخرية التي فيها على وجه التخصيص، ولكن ما أردت قوله، إنّ حمادة الفنان، الكاتب ورسام الكاريكاتور، لم يكن حمادة آخر عندما كتب نصًّا قصصيًّا، فهو صاحب مشروع، ولعلّ الأسلوب الذي اعتمده، البعيد عن التعقيد اللغوي، والبعيد عن التكلّف، والبعيد في الوقت نفسه عن العامية والنزول باللغة إلى الخِفّة غير المقبولة، لهو الحلقة الأقوى في دفاتره، لأنّ القصّ والسخرية والمتعة التي تحملها لا خلاف حولها، وإتقان الكاتب المحترف في رسم شخصياته لا جدال حولها أيضًا، ولكن أن تكون براعته في استخدام لغة خاصة، يصبح المتلقي يعرفها ويعرف قطبها المخفية بعد قراءة قصص قليلة، هذا ما أردت الحديث عنه والتأكيد عليه. فصاحب اللغة الخاصة بين كتّاب أدب القصة والرواية المحترفين لا تجده بسهولة، فكيف أن تجد لغةً خاصة بمن لا يدّعي، ولم يدّعِ يومًا احتراف هذه الصنعة!

قبل أن أنهي أقول إنّ كتّابًا، فنّانين، أصحاب مشاريع ثقافية متكاملة، كحمادة هم القدوة الحقيقية لأبناء جيلنا وجيله والأجيال القادمة، وإنّ دفاتره لا بدّ وأن تحقق انتشارًا أوسع، فهي حاجة وضرورة للمتلقي العربي. 

الأكثر قراءة

دعم دولي لولادة حكومية قيصرية بثقة متواضعة الدوحة تعود الى بيروت من جديد... دعم للمؤسسات ونفط وغاز واشنطن لنتنياهو: لاستبعاد خيار تجدد المعارك في لبنان