اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


الطاقة وقود الحياة، عبارة تصف الحاجة إلى هذه المادة الحيويّة، فمن دون الطاقة تتوقف الحياة العصرية، بكلّ ما للكلمة من معنى. وللطاقة أشكال كثيرة بطبيعة الحال، ووفقا لمصادرها، تقسم إلى تقليدية أو غير متجدّدة، ونظيفة أو متجددة أو مستدامة، الأولى أصبحت تشكّل تهديدا وجوديا للكوكب والكائنات الحيّة الموجودة عليه عمومًا، أمّا الثانية فتعتبر صديقة للبيئة والإنسان.

وكما نعلم، يقع العالم اليوم تحت وطأة التغيّر المناخي، ويعود هذا الواقع، إلى ازدياد انبعاثات الغازات الدفيئة الصادرة عن عمليات حرق الوقود الأحفوري، أحد أبرز أنواع الطاقة التقليدية، والنتيجة غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، يحبس حرارة الشمس ويرفع درجات الحرارة، لذلك نرى حاليا: كوارث طبيعية: فيضانات، جفاف، حرائق، جائحات، أوبئة وما يرشح عنها من تداعيات اقتصادية وسواها في مختلف دول العالم.

وبحسب توصيف الأمم المتحدة، الطاقة هي في صميم التحدّي المناخي الذي يواجه العالم اليوم، وهي مفتاح الحل، من هنا تشدّد على ضرورة خفض الإنبعاثات بمقدار النصف تقريبًا بحلول عام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050.

ووفق المعلومات، تتوفّر مصادر الطاقة المتجددة في جميع البلدان، ولم يتم استغلال إمكاناتها بالكامل بعد، و ترى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن 90% من كهرباء العالم يمكن وينبغي أن تولد من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.

من هنا، فإنّ التوجّه العالمي اليوم، ينحو باتّجاه التخفيف تدريجيًا من الإعتماد على الطاقة التقليدية لمصلحة الطاقة النظيفة، التي تعتبر أداة رئيسة لمكافحة الإحتباس الحراري المسبّب لتغيّر المناخات وتطرّفها.

واليوم يصادف 26 كانون الثاني، وفي مثل هذا اليوم من كلّ عام، يحتفي العالم باليوم الدولي للطاقة النظيفة، كيوم توعوي بمزايا الطاقة النظيفة، وحشد الجهود العالمية للإستثمار فيها والتحوّل إليها، وهو أيضًا تاريخ تأسيس الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهي وكالة حكومية دولية عالمية تأسست في عام 2009 لدعم البلدان في تحوّلاتها في مجال الطاقة.

وبالتعريف العلمي، الطاقة  التقليدية، عبارة عن المصادر الناضبة عبر زمن معين لكثرة الاستخدام، وهي متوفرة في الطبيعة بكميات محدودة وغير متجددة وتشمل الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز والفحم، وتشمل هذه المصادر الطاقة النووية التي تستخدم في عملية توليد الكهرباء عن طريق استخدام الحرارة الناتجة عن عمليات الإنشطار النووي في المفاعلات النووية.

أمّا الطاقة النظيفة، فهي عبارة عن مصادر طبيعية غير ناضبة ومتوفرة في الطبيعة سواء كانت محدودة أو غير محدودة ولكنها متجددة باستمرار، وهي نظيفة لا ينتج عن استخدامها تلوث بيئي ومن أهم مصادرها الطاقة الشمسية التي تعتبر الطاقة الرئيسية في  تكوّن مصادر الطاقة المختلفة، وكذلك طاقة الرياح وطاقة المد والجزر والأمواج والطاقة الحرارية الجوفية، وطاقة المساقط المائية وطاقة البناء الضوئي والطاقة المائية للبحار والمحيطات .

ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإنّ 99% من سكان العالم يتنفسون هواء يهدّد صحتهم، ويرجع أكثر من 13 مليون حالة وفاة في العالم كل عام إلى أسباب بيئية يمكن تجنبها، لاسيما تلوث الهواء، لذلك فإنّ التحوّل إلى مصادر الطاقة النظيفة ( الرياح والطاقة الشمسية... إلخ)، يتكفّل بمعالجة تلوّث الهواء وتغيّر المناخ والصحة.

الطاقة البديلة نواة التحوّل الطاقوي

حول واقع الطاقة النظيفة اليوم عالميًا، أوضح الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس -الجامعة الأميركية مارك أيوب، لـ "الديار"، أنّ الطاقة البديلة تشكّل اليوم مستقبل التحوّل الطاقوي في العالم كلّه، وقد بدأت  اقتصادات كثيرة في العام 2024 وتحديدًا الصين (أكبر المستهلكين للنفط)، بتخفيض الطلب على الوقود الأحفوري ( تحديدًا النفط والمشتقات النفطية )، وذلك نتيجة التحوّل الضخم الذي يحصل في الطاقة المتجدّدة، وتحديدًا طاقتي الشمس والرياح، وهذا أيضًا ينعكس على توقّعات الطلب على الوقود الأحفوري( تحديدا النفط)، من قبل منظمة الطاقة الدولية (IEA) أو من قبل منظمة "أوبيك"، والتي بدأت تنخفض، وفق تقارير صدرت مؤخرا في صيف 2024، نتيجة التحوّل الذي يحصل في اقتصاد الصين، موضحّا أنّ هذا الصراع  سيكون صراعًا إقتصاديا في المستقبل وتحديدًا من قبل الدول الكبرى.

الطاقة المتجدّدة في لبنان

دفعت أزمة لبنان الإقتصادية من انهيار العملة الوطنية، إلى انقطاع المحروقات والتقنين للتيار الكهربائي من قبل الدولة و المولّدات الخاصة، المواطنين إلى الإعتماد على ألواح الطاقة الشمسية لتأمين التيار الكهربائي، وكان ذلك من إيجابيًا وفق أيوب، الذي رأى أنّه إذا كان هناك شيئًا من إيجابيات الأزمة التي حصلت في السنوات الخمس الماضية في لبنان، فهو أنّ الناس أصبحت أكثر وعيًا بأهمية الطاقة المتجدّدة، وأفاد أنّ إنتاج لبنان كان صفر ميغاواط طاقة متجدّدة في العام 2010 ، فيما وصل في العام 2020 إلى 100 ميغاواط، ليبلغ خلال الأربع أو الخمس سنوات الأخيرة، ما بين 1300 إلى 1500 ميغاواط، (من دون احتساب أضرار الحرب)، لافتًا إلى أنّ الطاقة المتجددة اليوم تنافس مصادر الطاقة الأخرى، وتشكّل عصب المستقبل الطاقوي في لبنان، ولكن لا يزال هذا الأمر يحصل على مستوى محلي، مجتمعي، أحياء وبلدات، ولكنّه لم يتحوّل على مستوى دولة بعد.

الطاقة المدمجة

بخصوص المطلوب للنهوض بالطاقة المتجدّدة في لبنان، رأى أيوب أنّنا اليوم أمام فرصة في ظل كلّ ما يحصل، مع حكومة جديدة ورئيس جديد، لوضع رؤية جديدة لهذا القطاع، وإعادة رسم المخطط الطاقوي بما يتناسب مع التحوّل الطاقوي في لبنان، والإبتعاد عن مصادر الطاقة الملوٍّثة كالفيول والديزل والغاز-أويل، واستجرار الغاز، و"تغويز" المعامل (تحويلها إلى الغاز)، واعتماد مزيج من الغاز والطاقات المتجدّدة من شمس ورياح.

وختم:" نحن اليوم أمام فرصة سانحة لإعادة تكوين المخطط الرؤية والتحوّل نحو مزيج لا يمكن إلّا أن يشمل الطاقات المتجدّدة لأنّها المستقبل، ويجب التفكير بكيفية نقل هذه المعرفة إلى هذا المستوى، لأنّ ذلك يساهم  في تحقيق أهداف لبنان المناخية في التغيّر المناخي والوصول إلى 30% طاقة متجددة، وإذا أردنا أن نصل إلى هذه النسبة وأكثر، يجب أن نعمل بجدّ وجهد كبيرين".

خلاصة القول... ربّ ضارّة نافعة... هذا ما حصل في لبنان خلال الأزمة الأخيرة، حيث كانت المنفعة عامة، فقد توجّه اللبنانيون نحو الطاقة الشمسية، كنوع من التكيّف مع واقع أزماتي مستجد، وإيجابيته أنّه أسّس لأمل في واقع طاقوي جديد في لبنان، يمكن أن يتحقق في حال قرّر سياسيوه ذلك، فيما واقع التحوّل الطاقوي العالمي أصبح مهددًا حاليًا من قبل الولايات المتحدة،  بعد أن وضع رئيسها  المنتخب دونالد ترامب "الفيتو"، على البيئة هذه المرّة، وذلك بالإنسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وما خفي منه في البيئة والسياسة ربّما أعظم!