اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بعد أن حازت حكومة الرئيس نوّاف سلام ثقة 95 من أصل 128 نائباً في مجلس النوّاب يوم الأربعاء، تنطلق في تنفيذ عناوين بيانها الوزاري المليء بالملفات العالقة منذ سنوات. على أن تقوم كل وزارة بدراسة الملفات المعنية بها، لوضع خطة واضحة لكلّ منها قابلة للتنفيذ. وإذ قد لن تتمكّن من تحقيق كلّ ما وعدت به، يكفي أن تقوم بالتأسيس لبناء الدولة التي يطمح اليها اللبنانيون. ومن بين الملفات التي يُنتظر أن تعمل عليها حكومة سلام سريعاً، انطلاقاً ممّا ورد في بيانها الوزاري عن أنّها "أمام فرصة لبدء حوار جاد مع الجمهورية العربية السورية"، أمران أساسيان هما:

- الأول: ضمان إحترام سيادة كلّ من البلدين واستقلالهما وضبط الحدود من الجهتين وترسيمها، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأي من البلدين.

- الثاني: العمل على حلّ قضيّة النازحين السوريين التي لها تداعيات وجودية على لبنان إن لم تتحقّق عودتهم الى وطنهم.

ومن أجل بدء الحوار الجدّي مع سوريا، تقول مصادر سياسية مطّلعة، أنّه لا بدّ من أن تُكلّف الحكومة اللبنانية قريباً، وفداً وزارياً للقيام بهذا الأمر بالتعاون والتنسيق مع الإدارة السورية الجديدة، لا سيما بعد حصول زيارات رسمية على أعلى المستويات بين البلدين. كما لا بدّ بداية من أن تُحضّر الوزارات المعنية لا سيما الدفاع الوطني، والخارجية والمغتربين والداخلية، والشؤون الإجتماعية والتربية ملفاتها المتعلّقة بهذين الموضوعين، اللذين سيجري بحثهما مع سورية.

وبالنسبة للموضوع الأول، فقد شهدت الحدود اللبنانية - السورية في الآونة الأخيرة إشتباكات غير مسبوقة، في إطار سعي الإدارة السورية الجديدة لفرض سيطرتها على المناطق الحدودية، الأمر الذي أعاد الى الواجهة مسألة الحدود اللبنانية- السورية، وأهمية ترسيمها بهدف ضبط الحدود والمعابر غير الشرعية ومنع عمليات التهريب التي تحصل، رغم وجود القوى الأمنية وأبراج المراقبة على طول الحدود اللبنانية- السورية... وهذه الأخيرة التي تمتدّ على مساحة أكثر من 330 كيلومتراًـ تؤكّد المصادر أنّها غير مرسّمة بشكل رسمي على الأرض منذ الاستقلال، ما أدّى الى مشاكل حدودية مزمنة عديدة، بسبب التشابك في بعض القرى والبلدات والجرود، وبسبب بقاء مساحات واسعة مفتوحة ومشرّعة أمام كلّ ما هو غير شرعي بين البلدين.

أمّا المنطقة الوحيدة التي جرى ترسيم الحدود فيها بين لبنان وسورية فهي منطقة مزارع شبعا، التي هي جزء لا يتجزّأ من السيادة اللبنانية. واتفاقية الحدود بين لبنان وسورية التي وضعتها اللجنة العقارية اللبنانية - السورية برئاسة القاضيين اللبناني رفيق الغزّاوي، والسوري عدنان الخطيب، والموقّعة في العام 1946 بين شبعا (في لبنان) ومغر شبعا (في سورية)، تضع مزارع شبعا ضمن الحدود اللبنانية. وبعد هذا الوقت لم تقم الحكومات المتعاقبة في لبنان بترسيم الحدود الشرقية في أي وقت من الأوقات، ولم تُثر هذا الأمر مع النظام السوري لاعتبارات عديدة. علماً بأنّ هناك نحو  144 معبراً غير شرعي لا يمكن ضبطها من قبل الأجهزة الأمنية من دون ترسيم فعلي للحدود.

واليوم، بما أنّ حكومة سلام تعتزم بناء علاقات مع الحكومة السورية الجديدة لضبط الحدود من الجهتين وترسيم الحدود، على ما تلفت المصادر، فلا بدّ من تجهيز ملف شامل يتضمّن جميع المعلومات والخرائط الحدودية للاتفاق على الترسيم، سيما أنّها مسألة معقّدة جدا. وحالياً ثمّة تقدّم "إسرائيلي" في المنطقة المجرّدة من السلاح، واشتباكات داخلية في سورية، ما يُصعّب إيجاد الحلّ الجذري لمسألة الترسيم. كذلك فإنّ نقاطا عدّة لم تعد واضحة المعالم بسبب الدمار الذي لحق بها، ما يجعل الوضع مرُبكاً جدا، ويتطلّب رأي الخبراء والطوبوغرافيين وسواهم. كذلك ثمّة مناطق حدودية متداخلة، ويعيش عدد من اللبنانيين في مناطق تقع في الجانب السوري منذ عقود، ولا بدّ من إيجاد الحلول لسكّان هذه المناطق أيضاً.

أمّا في ما يتعلّق بحلّ قضية النازحين السوريين، فأشارت المصادر الى أنّ هذا الموضوع جرى بحثه بين رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والرئيس أحمد الشرع، خلال الزيارة التي قام بها الى دمشق قبل نهاية عهد حكومته. وطلب الشرع من الحكومة اللبنانية الإفراج عن ودائع السوريين العالقة في المصارف اللبنانية ،لكي تعمل الإدارة السورية الجديدة على حلّ مسألة النازحين. وهذه الأموال تُقدّر، بحسب المعلومات، بـ 16 مليار دولار، في حين أنّ النزوح السوري كلّف الخزينة اللبنانية أكثر من 50 مليار دولار بشكل مباشر، و40 مليار بطريقة غير مباشرة. ولا تزال الحكومة اللبنانية تتكبّد عبء استضافة أكثر من مليوني نازح سوري على أراضيها، رغم عودة نحو 300 ألف بعد سقوط نظام بشّار الأسد.

من هنا، لن تربط الحكومة الجديدة، وفق المصادر، بين عودة النازحين السوريين، وملفات أخرى مثل تحرير أموال السوريين أو إعادة إعمار سوريا، لأنّ هذا الأمر سيعيق أي آلية لإعادة النازحين الى بلادهم. وبناء عليه، ستعمل على وضع خطّة استراتيجية واضحة وسريعة لإنجاز العودة تنصّ على جملة أمور أبرزها:

"1ـ عودة إلزامية للنازحين"، لا سيما بعد سقوط كلّ الذرائع التي تجعل عودتهم "طوعية وآمنة"، فكلّ ما كان يخشى منهم السوريون زال اليوم مع تغيّر النظام، والأسباب التي أدّت الى نزوحهم لم تعد قائمة. كما أنّ العودة الفورية للنازحين السوريين تُريح عدد كبير من اللبنانيين، الذين يُعانون من مزاحمتهم على بعض المهن الحرّة، والتي لا يُجيز القانون للنازحين بممارستها على الأراضي اللبنانية.

2 ـ الطلب من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان مساعدته على تسهيل هذه العودة، من خلال دفع المساعدات المالية لهم في بلادهم، وليس خلال وجودهم على الأراضي اللبنانية. كما الطلب منها تأمين بالتالي الخيم المناسبة لإقامتهم على أراضيهم، على غرار تلك التي شيّدتها لهم في لبنان، الى حين إعادة إعمار المناطق التي نزحوا منها لاحقاً. وثمّة مشروع عن هذا الأمر موجود في مجلس النوّاب حالياً يُمكن إقراره والبدء بتنفيذه.

3ـ صدور قرار عن وزارة التربية لوقف تعليم أولاد النازحين السوريين في المدارس اللبنانية، بدءاً من العام المقبل، سواء في الدوام الرسمي أو دوام ما بعد الظهر، وذلك للإتاحة لعائلاتهم تسجيلهم في سورية. علماً بأنّ بعض النازحين قد لا يُسجّلون أولادهم أساساً، لعدم امتلاكهم المستندات الرسمية المطلوبة لذلك.

 

الأكثر قراءة

المنطقة العازلة تمهيد للتقسيم وجنبلاط يحذّر من الفوضى الحكومة أمام اختبار إعادة الإعمار بلا ابتزاز