اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



هكذا توقف ديبلوماسية الظل قرع الطبول حول ايران. يمكن أن نستشف ذلك من التعليقات والتقارير الأميركية. القادة الايرانيون الذين أرغموا على الانكفاء الجيوسياسي، بعد تلك السلسلة من الصدمات الكارثية لأنهم لم يدركوا أي عصا غليظة تنتظرهم، يرون في النظام الحالي النظام المقدس. على هذا الأساس قد يكونون مستعدين للذهاب في الدفاع عنه الى حدوده القصوى، أي ضرب القواعد والمصالح الأميركية على امتداد الشرق الأوسط، وان كان هناك من يرى أن آيات الله سيحاولون امتصاص أي ضربة عسكرية، ما دامت الأولوية (الأولوية الايديولوجية) لبقاء النظام.

المواجهة العسكرية التي لا بد أن تشعل النيران في أكثر من مكان ، تعني تلقائياً اللجوء الى الضربة النووية، وهو الحلم "الاسرائيلي" القديم لترويع المنطقة واحتوائها توراتياً، كما أن اليمين الأميركي يرى أن اعادة ترتيب خارطة العالم، بحسب وليم كريستول تحتاج الى استعادة "الليلة النووية"!

ولكن مثلما رفع قائد القوات الاستراتيجية الأميركية الجنرال جون هايتن عام 2017، البطاقة الحمراء في وجه دونالد ترامب حين فكر بضرب كوريا الشمالية بالترسانة النووية والصاروخية، التي تشكل خطراً على الأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلفائها في الباسيفيك، باعتبار أن هناك وسائل أخرى لاحتواء كيم جونغ ـ أون، لا بد أن يكون موقف القائد الحالي الجنرال أنتوني كيتون مماثلاً، خصوصاً وأن ايران لم تعد تشكل أي خطر على أمن أميركا وحلفائها.

وكان لافتاً أنه في ذروة التصعيد الاعلامي ضد ايران، تزامناً مع رفع مستوى العقوبات، نشرت وكالات الاستخبارات الأميركية تقريراً تؤكد فيه أن الجمهورية الاسلامية لا تصنع السلاح النووي، ما يعني فتح الأبواب أكثر فأكثر أمام القنوات الديبلوماسية، وكذلك انتفاء لاي مبرر للضربة العسكرية، ليركز التقرير عل الصين التي "تمتلك القدرة على ضرب الولايات المتحدة بأسلحة تقليددية من خلال الهجمات الالكترونية، واستهداف أدواتها الفضائية، كما تسعى الى ازاحة الولايات المتحدة عن عرش الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030 (بالانعكاسات الدراماتيكية الهائلة على قيادتها للكرة الأرضية)". كما يشير التقرير الى أن روسيا "تطوّر قمراً صناعيا يحمل سلاحاً نووياً، قد تكون له عواقب مدمرة على أميركا والعالم".

الايرانيون الذين يثيرون الذهول بكشفهم عن أسرارهم العسكرية (لاعتقادهم أن ذلك يردع العدو) أعلنوا بلسان العميد أمير علي حاجي زادة، قائد القوات الجو ـ فضائية، عن "سلاح استراتيجي يستحيل على الأعداء انتاج مثيل له"، موضحاً بأن "اي طرف لن يتمكن من تطوير سلاح مضاد قادر على تحييده، بالنظر لكونه ينطلق بسرعة تتجاوز بـ 13 ضعفاً سرعة الصوت خارج الغلاف الجوي". الجنرال المتقاعد حسين كنعاني، وهو من أبرز مؤسسي الحرس الثوري قال انه "سلاح البلازما"، وهو سلاح موجه لا يتسبب في دمار شامل كما هي حال القنبلة النووية".

المعروف أن البلازما هي "الحالة الرابعة للمادة" (الحالات الثلاث هي صلبة وسائلة وغازية)، حيث يتم تسخين الغاز الى درجة مرتفعة جداً ما يجعل ذلك السلاح موصلاً كهربائياً عالي الكفاءة، وقادراً على انتاج طاقة حرارية وكهرومغناطيسية هائلة.

ايران تنكفئ وتركيا تتقدم. واذا كانت ايران تشاطئ قزوين والخليج، كما تتحكم بمضيق هرمز الذي يربط بين الخليج والمحيط الهندي، تشاطئ تركيا المتوسط والأسود وايجة ومرمرة، كما تتحكم بمضيق الدردنيل الذي يربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط. هنا السؤال الذي يطرحه "الاسرائيليون" حول أيهما أكثر خطراً عليها، ايران الشيعية التي ينحصر تأثيرها في الأقليات الشيعية في بعض بلدان المنطقة، والتي أدت الأحداث الأخيرة الى اعادتها الى "الهضبة الفارسية"، أم تركيا السنية التي تتقن اللعب بـ"الايديولوجيا المتحركة"، أو "الايديولوجيا الملونة"، كما كان يصفها الصحافي قدري غورسل، ودائماً دون الابتعاد عن الدائرة الأميركية، وحتى الدائرة "الاسرائيلية"، والى حد العرض على بنيامين نتنياهو اطلاق محادثات سورية ـ "اسرائيلية" في أحد المنتجعات التركية، كسبيل لتطبيع العلاقات بين دمشق و"تل أبيب"، ما رفضه نتنياهو الذي له رؤيته التوراتية لخارطة الشرق الأوسط ، والتي تختلف عن الرؤية السلطانية.

لا ظهير دولياً ببعد استراتيجي لايران. تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، بجيش حديث وبسلاح جو فاعل، فضلاً عن حصولها على منظومة "اس.اس ـ 400 " الروسية، وتوجد في مستودعات قاعدة انجرليك 50 قنبلة نووية، كما أن قواتها تنتشر في قطر، أي في عمق الخليج، وفي ليبيا على الضفة الأفريقية من العالم العربي، وهي تسعى لاقامة قاعدة على البحر الأحمر في السودان، فور أن تستتب الأوضاع هناك. من هنا تلميح البروفسور "الاسرائيلي" نعكوف ناغل الى القوس التركي الذي "ينبغي التنبه اليه منذ الآن".

ما ينشر من أبحاث في معهد جافي للدراسات الاستراتيجية ، يتحدث كثيراً عن طموحات رجب طيب اردوغان الذي لم يكتشف حتى الآن ألاً مجال البتة لاعتمار طربوش السلطان. رؤوس كثيرة دفنت تحت الأنقاض في الحرب العالمية الأولى. بعد تجربة عام 2011 في سوريا والتي توقفت أمام الحائط الروسي، ها أنه يستعيد التجربة عام 2024، بعدما تمكنت "اسرائيل" بمؤازرة الولايات المتحدة، من تغيير المسارات الاستراتيجية للشرق الأوسط. ولكن ليصطدم هذه المرة بالعصا "الاسرائيلية" تدفعه الى الزاوية السورية، ما ان فكر بارسال قوات تركية الى دمشق، وبانشاء قاعدة جوية في تدمر (قاعدة عسكرية ضد من)؟

نعلم أن التركيز "الاسرائيلي" على "الغول الايراني" ومشاريعه العسكرية، يتوخى زيادة مستوى الشقاق بين ضفتي الخليج، اذا عدنا الى البنية الايديولوجية للنظام في ايران والى أدبيات الثورة، ليأخذ الصراع الآن، وان في ظل الاستقطاب الأميركي، منحى أكثر تعقيداً. الثابت هنا لا ضربة عسكرية ضد ايران، فهل صحيح أن التصعيد في اليمن تصعيد تكتيكي، تمهيداً لفتح أبواب فندق "كوبورغ" في فيينا أمام مفاوضات من نوع آخر، وفي ظروف أخرى...؟

الأكثر قراءة

توجس سعودي من صفقة تركية ـ اسرائيلية