اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


حذاء الرجل الذي ألقى القبض عليه كان واضحاً على وجهه. الضحية (وما أكثر ضحاياه) مسؤول كبير في أحد الأجهزة الأمنية في النظام السايق. هذه ظاهرة شائعة في الأنظمة التوتاليتارية. أن يكون المسؤولون عن الأجهزة من الأجلاف، وأعوانهم من الرعاع. دائماً أثر الحذاء عالق على الوجه. ثم الاقامة الأبدية اما في القبر أو في الزنزانة.

 مشكلة بشار الأسد أنه لم يكن حافظ الأسد. منطقياً يفترض ألاّ يكون حافظ الأسد، وحتى ألاّ يكون في المكان الذي وجد نفسه فيه. الخطيئة الأولى أنه وضع رأسه بين يدي ضابط يمثل حالة فرويدية كاملة الأوصاف، ما يفرقه عن الآخرين أنه يقرأ كثيراً، ولكن ليتفاعل عكسياً مع قراءاته. شخصية تتقن فن الكراهية. هكذا راح يقطع رؤوس الحرس القديم، دون الافادة ولو انتقالياً من خبرتهم في كيفية حكم سوريا، بتكوينها المعقد على كل المستويات، وفي التعاطي مع المشهد الاقليمي والدولي.

الخطيئة الثانية، وكانت بمثابة البلاء العظيم في عهده أنه أطلق العنان للأجهزة الأمنية أن تتدخل في كل شيء، كون سوريا محاطة بالأرواح الشريرة، ما يقتضي امساكها بيد حديدية. لا ننسى أصابع رسام الكاريكاتور الرائع علي فرزات، ولا أصحاب الرؤوس النظيفة الذين كان عليهم الاختيار بين السجن والمنفى. لا تتصوروأ أي نوع من الرجال أوكلت اليهم وزارة الاعلام. أحدهم لا يصلح بواباً للوزارة. للغرابة عيّن بعد ذلك سفيراً في السعودية، قبل أن يحال الى ذلك المستودع الذي لا يليق حتى بالجرذان الهرمة. القيادة القومية لحزب البعث.

 اعتدنا على ذلك النسق من الأنظمة. كل مخلوق عربي هو متآمر الى أن تثبت براءته. غالباً ما تثبت براءته بعد وفاته. وكل مخلوق عربي عليه أن يكون بمواصفات الدجاجة. ولقد كان طبيعياً أن يسقط النظام بين يدي رجب طيب اردوغان (ومن معه ومن وراءه)، بعدما بلغ حداً هائلاً من الاحتقان السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي. لو لم يذهب هكذا لذهب بالانفجار الداخلي. هل حقاً، ان الادارة الجديدة هي "أقل المصائب" كما وصفها لنا شقيق مسؤول كبير في هذه الادارة، وهو أيضاً يشغل منصباً في وزارة هامة؟

 الشقيق معارض سابق (وحالي) وأعرفه. هو من اتصل بي ليصف لي مدى تشاؤمه من المستقبل. في نظره أن الوضع الحالي حلقة من سيناريو طويل ـ ونفق طويل ـ دخلت فيه سوريا منذ عام 2011. لا أحمد الشرع، ولا رجب طيب اردغان، يعرف كيف ينتهي.

 في اعتقاده أن الرئيس الانتقالي الذي يعيش الآن في برجه العاجي، لا يدري ما يجري على الأرض. اقبال مثير من جهات قريبة، وبعيدة، على شراء قادة الفصائل، ليتحول العهد، مثلما تحولت "الثورة"، الى موزاييك غرائبي من الاتجاهات والمصالح المتشابكة، والتي تجعل كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك التغيير المفاجئ. ليس الآن، وحيث القوى الخارجية تسعى، بكل الوسائل، للتموضع داخل المشهد الحالي.

 سألته لماذا لا تخبر شقيقك بذلك؟ قال "لا اريد لرأسه أن يتدحرج داخل ذلك الكوكتيل العجيب الذي يحيط بالرئيس، بولاءاته المختلفة، وبعقده المختلفة".

 في نظره أنه لم يبق سوى جزء ضئيل من أبي محمد الجولاني في شخصية أحمد الشرع. بدقة نحاسي سوق النحاسين الدمشقي أعيد تصنيعه على يد مسؤولين محترفين في الاستخبارات التركية أناط بهم حقان فيدان (الآن وزير الخارجية) هذه المهمة. عملية التدريب شملت حتى مظهره الخارجي، وشكل خطواته كرئيس دولة. وبحسب المعارض السابق اياه أن الشرع ذكي وطموح، وكان يعرف أين يضع قدميه، أو رأسه. ولقد اختير للمنصب ان بسبب الكاريزما، أو لأنه الأكثر براعة في فهم القيادة (قيادة الدولة لا قيادة مجموعة ارهابية) من غيره من قادة الفصائل الذين بعضهم مدجج حتى أسنانه، بثقافة تورا بورا.

 يقول "أحياناً تستيقظ في الشرع شخصية الجولاني. هكذا شعر بالارتياح وهو يشاهد الفيديوات الخاصة بمجازر الساحل. لكأنه في تلك اللحظة كان يعتبر أنه دفن الى الأبد حتى شبح بشار الأسد". لكن اللافت، في هذا السياق، أن الأتراك زرعوا حوله كل العيون التي ترصد حركاته، وأحاديثه، على مدار الساعة، لكأنهم يتوجسون من سقوطه في الحضن السعودي أو في أي حضن آخر. وحين يلتقي بأي زائر عربي أو أجنبي، يكون التقرير أمام ابراهيم قالين (رئيس الاستخبارات التركية) بعد بضع دقائق...

 يدرك جيدا ً كم عدد الخناجر التي يمكن أن تغرز في صدره، أو في صدره، اذا ما حاد عن الطريق قيد أنملة. وحين سألته عن نظرة الشرع الى المسؤولين اللبنانيين، أجاب "لو قلت لك لما استطعت، ولما تجرأت، على نشر أي كلمة مما أقوله. لذلك أترك لك مهمة الاجابة على السؤال".

 ولكن من هي الجهات الاقليمية والدولية التي تشتري الفصائل الآن؟ "عد الى أيام الحرب تعرف من هي تلك الجهات". وما اذا كان الاسرائيليون ضالعين في عملية الشراء، يجيب "أنهم على رأس القائمة". ماذا يعني ذلك؟ مسألة بديهيية اذا ما أخذنا بالاعتبار ما تعده حكومة بينيامين نتنياهو لكل من لبنان وسوريا وأيضاً لدول عربية أخرى.

 مفاجأته الأخيرة "الاجراءات الأردنية الأخيرة ضد جماعة "الاخوان المسلمين" أقلقت كثيراً بعض قادة الفصائل". اذ يتوقع ما هو أسوأ وأفظع، يوضح أنه باق في سوريا "لو تركت لربما دفنوا شقيقي حياً" !!

 

الأكثر قراءة

ما سر الحملة الاميركية على جنبلاط؟ محمود عباس في بيروت ودمشق لبحث السلاح الفلسطيني تحسينات على الأجور الاثنين والعام الدراسي «مبتور» ونفق المطار بلا إنارة