اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

جاسم عجاقة


أحصى القانون 44/2015 في مادته الأولى، واحد وعشرون نشاطًا ينتج عنها أموال غير مشروعة. وإعتبرت المادة الثانية من القانون نفسه أن "إخفاء المصدر الحقيقي للاموال غير المشروعة او اعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر، بأي وسيلة كانت، مع العلم بأن الاموال موضوع الفعل غير مشروعة"؛ أو "تحويل الاموال او نقلها، او استبدالها او توظيفها لشراء اموال منقولة او غير منقولة او للقيام بعمليات مالية بغرض اخفاء او تمويه مصدرها غير المشروع..."، تعتبر عملية تبييض أموال.

نشاطات تؤدّي إلى أموال غير مشروعة

وبحسب المادة الأولى، يُقصد بالاموال غير المشروعة، الأموال (أصول مادية او غير مادية، منقولة او غير منقولة) الناتجةعن: "زراعة او تصنيع او الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية وفقاً للقوانين اللبنانية؛ المشاركة في جمعيات غير مشروعة بقصد ارتكاب الجنايات والجنح؛ الارهاب وفقاً لاحكام القوانين اللبنانية؛ تمويل الارهاب او الاعمال الارهابية والاعمال المرتبطة بها (السفر - التنظيم - التدريب - التجنيد...) او تمويل الافراد او المنظمات الارهابية وفقاً لاحكام القوانين اللبنانية؛ الاتجار غير المشروع بالاسلحة؛ الخطف بقوة السلاح او بأي وسيلة اخرى؛ استغلال المعلومات المميزة وافشاء الاسرار وعرقلة حرية البيوع بالمزايدة والمضاربات غير المشروعة؛ الحض على الفجور والتعرض للاخلاق والآداب العامة عن طريق عصابات منظمة؛ الفساد بما في ذلك الرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة واساءة استعمال السلطة والاثراء غير المشروع؛ السرقة واساءة الائتمان والاختلاس؛ الاحتيال بما فيها جرائم الافلاس الاحتيالي؛ تزوير المستندات والاسناد العامة والخاصة بما فيها الشيكات وبطاقات الائتمان على انواعها وتزييف العملة والطوابع واوراق التمغة؛ التهريب وفقاً لاحكام قانون الجمارك؛ تقليد السلع والغش في الاتجار بها؛ القرصنة الواقعة على الملاحة الجوية والبحرية؛ الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين؛ الاستغلال الجنسي بما في ذلك الاستغلال الجنسي للاطفال؛ جرائم البيئة؛ الابتزاز؛ القتل، التهرب الضريبي وفقاً للقوانين اللبنانية".

شكوك مُبرّرة من قبل الـ FATF

لطالما كان تبييض الأموال مصدر قلق في لبنان على كافة المستويات. وإذا كانت بعض النشاطات الآنفة الذكر، تُصنّف من قبل اللبنانيين على أنها "شطارة" (كالفساد مثلاً أو التهرب الضريبي)، إلا أن القانون 44/2015 المُقرّ في كانون الأول من العام 2015 كقانون مُعجّل مُكرّر تحت ضغط المُجتمع الدولي، رسم الحدود بين ما هو متعارف عليه لبنانيًا وما هو مقبول من المجتمع الدولي.

تفاقمت الشكوك حول عمليات تبييض الأموال في لبنان مع وجود عدّة عوامل منها:

أولًا – ضعف الحوكمة وإنفاذ القوانين حيث أن عدم الإستقرار السياسي والإنقسامات الطائفية وضعف الحكومات المركزية أمام القوى السياسية، خلق بيئة يمكن فيها للأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك تبييض الأموال، أن تزدهر مع خوف أقل من الملاحقة القضائية.

ثانيًا – إقتصاد الكاش والذي تطوّر بشكل كبير منذ تموز من العام 2019 مع خلق سوق موازية لسعر الدولار مُقابل الليرة اللبنانية ما لبث أن تطور بشكلٍ مُريب إلى إقتصاد نقدي مع أكثر من 95% من العمليات الداخلية هي بالكاش بعدما كانت لا تتخطّى الـ 36% قبل الأزمة. الجدير بالذكر أن إقتصاد الكاش يمنع على السلطات تتبع مصدر وحركة الأموال، مما يوفر سبلًا لتبييض الأموال.

ثالثًا – تشابك المصالح بين النخب السياسية والإقتصادية خلق فرصًا كثيرة للإثراء غير المشروع وتبييض عائدات الفساد (مثل قضية الدعم في العام 2020).

رابعًا – في الفترة التي تلت الإنهيار بالتحديد إبتداءً من العام 2022، أصبح لبنان مقصدًا للتدفقات غير المشروعة عبر الحدود (بما في ذلك تهريب المخدرات والتهريب)، وذلك بحكم أن لبنان الحلقة الأضعف على صعيد الرقابة.

خامسًا – عدم إستقلالية القضاء، حيث وفي تقريرها بتاريخ كانون الأول 2023، أشارت مجموعة العمل المالي الدولية(FATF) إلى "عدم فعالية القضاء في لبنان،... مما يعيق محاكمة قضايا غسل الأموال".

اللائحة السوداء؟

أدرجت مجموعة العمل المالي الدولية رسميًا لبنان على "اللائحة الرمادية" إستنادًا إلى تقييم فريق العمل المالي بأن لبنان لديه "أوجه قصور استراتيجية" في نظامه لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وهو ما يعني أن لبنان يخضع الآن لمراقبة معززة من قبل فريق العمل المالي.

وإلتزم لبنان بمعالجة أوجه القصور الاستراتيجية خلال مدة زمنية تمتد حتى العام 2026. وبالفعل تمّ تعديل قانون السرية المصرفية بالقانون 1/2025، إلا أن ما يجب ذكره أن الأساس في وضع لبنان على اللائحة الرمادية يبقى إقتصاد الكاش بإعتراف مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) في تقريرها حيث قالت أن الشبهات تطال بشكل أساسي القطاع غير المالي.

وإذ أبدت السلطات اللبنانية (التنفيذية والتشريعية) رغبتها في معالجة أوجه القصور المحددة لإزالته من القائمة الرمادية إلا أن هناك عوائق كبيرة قد تؤدّي إلى فشل الجهود اللبنانية مما يعني إدراج لبنان على "اللائحة السوداء" مع ما يحمل ذلك من عواقب إقتصادية وخيمة.

تداعيات مُتضاربة

مما لا شكّ فيه أن رفع لبنان عن اللائحة الرمادية هو أمر جوهري بالنسبة للبنان ولإقتصاده ولمواطنيه. وبالتالي تمّ تشكيل لجنة لمتابعة هذا الأمر وتحديد الإجراءات الواجب القيام بها لهذا الغرض. وهنا تبرز المُشكلة!

في العامين 2020 و2021، وقع اللبنانيون في عوزٍ كبير إذ لم يعد بمقدور اللبناني شراء الكثير من المواد الأساسية! ثلاثة مصادر غيّرت هذا الواقع في العام 2022: إستخدام اللبنانيين لمدخراتهم في البيوت، وتعماميم مصرف لبنان، وتدفقات غير مشروعة عبر الحدود. هذه الأخيرة التي كان لها حصّة الأسد في كاش السوق، حفّزت النشاط الإقتصادي بإعتراف البنك الدولي (أكثر من عشرة مليارات دولار أميركي) وأخذ اللبنانيون يستفيديون منه عن معرفة (مُبيّض أموال) أو عن غير معرفة (حال موظّف يعمل في شركة يقوم القيّمين عليها بتبييض الأموال). وبالتالي، فإن ملاحقة مبيضي الأموال من دون تأمين بديل للموظفين (غير العارفين بالنشاط غير المشروع للشركة) سيكون له تداعيات كبيرة على الواقع الإجتماعي أللهم إلا إذا قامت الحكومة بتدعيم شبكات الأمان لهذه الفئات أو ضخت أموال جديدة في الإقتصاد. في هذه الحالة يتوجّب على المُجتمع الدولي مُساعدة لبنان ماديًا من خلال قروض ميسّرة أو هبات لدرء أي حجّة تطال "شرعية تبييض الأموال مُقابل لقمة العيش". وبإعتقادنا، إذا لم يقم المُجتمع الدولي بمساعدة لبنان ماديًا على هذا الصعيد سواء من باب دعم الشق الإجتماعي أو من باب ضخ السيولة في الإقتصاد اللبناني، ومع التحدّيات الأمنية (الوضع السوري، حصرية السلاح، الإعتداءات جنوبًا...) والسياسية (خصوصًا على الصعيد الإقليمي والدولي)، والإقتصادية (العملية الإصلاحية) التي تواجه لبنان، من المرجح أن يكون الطريق إلى تطبيق الإلتزام قبل العام 2026 صعب جدًا على الرغم من الخطوات التي قام بها لبنان حتى الساعة.

تبييض الأموال هو جريمة في القانون اللبناني والدولي ويجب ملاحقة مرتكبيها، وما أوردناه أعلاه يهدف إلى لفت نظر المسؤولين أن المرحلة الإنتقالية يجب أن يواكبها إجراءات نظرًا إلى مستوى إنخراط "المال غير المشروع" في العملية الإقتصادية وبالتالي أي نقلة فجائية سيكون لها تداعيات إجتماعية كبيرة، على الحكومة أن تقوم بما يلزم لتداركها.

الأكثر قراءة

تناغم بين حزب الله وعون... والهوّة تكبر مع سلام! لا ثقة «إسرائيليّة» بضغوط ترامب: لبنان ليس سوريا مُفاجأة اتحاد بلديات المتن تربك «معراب» و«الصيفي»