اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

حصلت الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها، وفازت الاحزاب واللوائح التي حصلت على اكثرية الاصوات في القرى اللبنانية، ضمن اللعبة الديموقراطية. وهذا دليل اننا فعلا في عهد جديد من الحكم، حيث يتم احترام مواعيد الاستحقاقات، فضلاً عن تنفيذها وسط جو من الانضباط.

هذه الانتخابات اظهرت امرا خطيراً، وسلطت الضوء على نسيج المجتمع اللبناني المتغير، فتبين مدى تراجع نسبة المسيحيين، سواء في القرى والبلدات المسيحية او في القرى المختلطة مع الطوائف الاخرى. هذا الامر يؤكد ان النزيف متواصل في هجرة المسيحيين من لبنان، وتحديداً بعد عام 2020 ، اي بعد حصول انفجار المرفأ وتردي الاوضاع الاقتصادية والمالية.

وما كشفته هذه الانتخابات لا يعد مسألة باهتة او ثانوية، بل مسألة ذات اولوية وجرس انذار للاحزاب المسيحية وللكنيسة، ولكل القيمين على وجود المسيحيين في لبنان.

فالانتخابات في جبل لبنان والشمال والجنوب كشفت بشكل فاضح التراجع المخيف لعدد المواطنين المسيحيين اللبنانيين، وبالتالي على الاحزاب المسيحية واصحاب الثروات الطائلة من المسيحيين اللبنانيين في الاغتراب، ان يبدأوا منذ اليوم بوضع خطة تحفز المسيحيين اللبنانيين الذين لم يهاجروا بعد بالبقاء في لبنان، عبر تقديم تسهيلات مالية سواء في المدارس والجامعات وخدمات اجتماعية. اضف على ذلك، يجب على الاحزاب المسيحية والمتمولين المسيحيين في افريقيا واوستراليا وكندا وفي كل بلدان العالم، ان يشجعوا المسيحيين في الاغتراب للعودة الى وطنهم، بوضع صندوق مالي لضمان عودتهم الى لبنان والعيش فيه بكرامة.

نعم يجب ان تعطي الاحزاب المسيحية ضمانات للمسيحيين في الخارج وخاصة الشباب اللبناني ، بأن رجوعهم الى بلدهم لن يكون للعيش مذلولين، لا عمل ولا نفقات ولا امل، بل ان عودتهم هي التي ستنهض بلبنان من خلال خلق مشاريع عمل، وتحديداً بانشاء مناطق اقتصادية خاصة في المناطق حيث الكثافة السكانية المسيحية، الى جانب اطلاق منصة الكترونية تجمع بين فرص العمل والاستثمار في لبنان، وقاعدة بيانات للمسيحيين اللبنانيين المختصين في الخارج من اجل مشاريع استثمارية مشتركة. كما يمكن تحقيق برنامج «العودة بالريادة»، الذي يجب ان تشارك به الكنيسة والمسيحيين المغتربين المتمولين، بهدف انشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة، واعطاء فرص للتدريب والاستشارات، الامر الذي يخلق بيئة حاضنة للاعمال فضلا الى تقديم منح وقروض ميسرة.

من الافضل ان يصرف المال لدعم مشاريع تخلق فرص عمل للمسيحيين في لبنان، بدلا من صرف المال الهائل في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، لجذب الاصوات لحزب ما. فالاحزاب المسيحية التي تدعي فعلا حرصها على الحفاظ على حقوق المسيحيين، عليها ان تعطي اولوية لوقف هجرة المسيحيين اولا، لتطالب بحقوقهم في الدولة لاحقاً. فما نفع وجود احزاب مسيحية قوية، في وقت يتراجع عدد المسيحيين في لبنان؟ وهل ستبقى هذه الاحزاب المسيحية قوية اذا فرغ لبنان من مسيحييه؟

الجواب طبعا لا. وهذا امر يطال ايضا الدولة اللبنانية برؤسائها الثلاثة وليس فقط رئيس الجمهورية. فالطائفتان السنية والشيعية من مصلحتهما الحفاظ على المكون المسيحي، لانه في حال تضاءل هذا الوجود، عندها سيعاني المجتمع اللبناني من ازمات اجتماعية وثقافية، وسيزداد التوتر والتعصب بين المذهبين السني والشيعي.

من الآن وصاعداً، لا يوجد اي مبرر للتلهي بالامور التافهة والسخيفة، خاصة عندما يكون هناك خطر حقيقي سيؤثر في المستقبل القريب، اذا استمرت الهجرة المسيحية على نسيج المجتمع اللبناني وعلى بنية الدولة اللبنانية. فالمسيحيون الذين هم من مؤسسي لبنان ومن رواده، لا يجوز ان ينتقلوا من دورهم المميز الى دور محدود نتيجة تراجع عددهم، رغم ان لبنان مبني على الديموقراطية التوافقية لا العددية.

وفي هذا النطاق، ومع التغييرات التي حصلت في المنطقة قد تعلو اصوات متطرفة ترى انها غير مضطرة لتطبيق المناصفة، طالما هناك خلل بين بعض المكونات اللبنانية الاساسية، ولذلك لا يريد المسيحيون ان يهددهم اي طرف بالعدد، او يمننهم احد بانه يحميهم رغم التغيير الديموغرافي، ولذلك يترتب على كل القيمين على المسيحيين في لبنان التحرك بسرعة كبيرة، لوقف النزيف لدى البيئة المسيحية ، بوضع خطة عملية قابلة للتطبيق على ارض الواقع.


الأكثر قراءة

إذا غرق الأميركيّون في الشرق الأوسط