أثار المؤتمر الصحفي الذي عقده حسن صوفان، عضو «اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي»، و نور الدين البابا، المتحدث باسم وزارة الداخلية، بدمشق يوم الثلاثاء 10 حزيران الجاري، زوبعة من ردود الأفعال على ضفاف لم تكن راكدة أصلا بمفاعيل ملفات عدة، فكيف والأمر ذي علاقة وثيقة بملف «السلم الأهلي» الذي يرى الكثيرون أن لا مناص من مروره عبر مسار «العدالة الإنتقالية»، الذي وإن كانت آلامه كبرى، لكنها ضرورية كشرط لازم، وليس كاف، لوصول ذلك الملف إلى مراميه المرجوة.
في معرض حديثه عن «فادي صقر»، ذكر صوفان إن هذا الأخير «قد أعطي الأمان من قبل القيادة، بدلا من توقيفه بناءا على تقدير المشهد»، وأضاف «نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا مضطرون لاتخاذ قرارات تؤمن استقرارا نسبيا في هذه المرحلة»، في حين أشار نور الدين البابا إلى وجود عدد من «ضباط جيش ومخابرات النظام البائد كانوا قد تعاونوا معنا خلال معركة ردع العدوان».
سرعان ما توالت المواقف والتصريحات في أعقاب انتهاء المؤتمر الصحفي الذي كان من الواضح على المتحدثين فيه رغبتهم في إنهائه بشكل سريع، وفي أول رد فعل قالت «غرفة عمليات فتح دمشق»، التي شاركت في عملية «ردع العدوان»، في بيان لها نشرته بعد ساعات «لقد تمت عملية تحرير دمشق بقيادة غرفة عمليات دمشق، ونؤكد بشكل قاطع أنه لم يكن هناك أي تواصل مع المدعو فادي صقر، أو أي أحد من رموز النظام البائد»، وأضاف البيان «إن محاولات التلاعب بالسردية الثورية، ومنح الفضل لجهات لا علاقة لها بالمعركة يعد تزويرا للتاريخ وإهانة لتضحيات المقاتلين والثوار الذين خاضوا المعارك وقدموا الشهداء والجرحى»، ومن الواضح أن اللهجة الحادة المستخدمة في صياغة البيان إنما تشير إلى حال من الخذلان كان قد شعر بها قادة تلك الغرفة انطلاقا من عدم علمهم بأي نوع من «التواصل مع المدعو فادي صقر»، وما يمكن قوله هنا لحل هذه المسألة الإشكالية هو أن هكذا نوع من القرارات أو الإتصالات غالبا ما تجري في نطاق ضيق، ودائرته قد لا تتعدى عدد أصابع اليد، أو أقل، حيث النجاح فيها يتوقف على السرية المطلقة من جهة وعلى كفاءة الأشخاص القائمين بها من جهة ثانية، والثابت اليوم أن ثمة اتصالات كانت قد قامت بها قيادة «ردع العدوان» مع قادة عسكريين وأمنيين في النظام السابق، والعديد من التصريحات والمقابلات تؤكد ذلك، وفي واحدة من هذه الأخيرة، بثت مطلع حزيران الجاري، كان وليد درويش، النائب بمجلس الشعب السابق عن مدينة القنيطرة، قد قال «إن ضباطا وأمنيين رفيعي المستوى في نظام بشار الأسد كانوا على اتصال مع هيئة تحرير الشام منذ وقت غير قصير»، وأضاف «لكن تلك الإتصالات تكثفت بعد 27 تشرين ثاني الماضي»، وهو التاريخ الذي شهد انطلاق عملية «ردع العدوان»، بل وذهب في تلك المقابلة إلى تسمية اثنين من هؤلاء، الأول هو اللواء طلال مخلوف، الذي كان يشغل منصب مدير «المكتب العسكري للقائد العام»، والثاني هو حسام لوقا، الذي كان يشغل منصب رئيس «شعبة المخابرات العامة».
من جهة أخرى سرعان ما ظهر الغضب على صفحات «المربع الأزرق» الذي تداعى آلاف الناشطين فيه لـ«وقفة غضب» في دمشق يوم الخميس ( أمس)، على أن تكون تحت عنوان «لا سلام مع الإفلات من العقاب»، وإن كانت هناك ثمة تباينات في مواقف أولئك، فمن قائل أن ردة فعل الشارع حيال «فادي صقر» مبالغ بها، إلى قائل أن» القصاص» هو السبيل لوحيد لتحقيق العدالة، ومنهم من أضاف أن المجتمعات الخارجة من حروب طويلة، كما هو حال السوريون اليوم، تحتاج إلى «مراهم» لمداواة جراحها، لا إلى أدوات حادة لن يؤدي استخدامها إلا إلى «فتق» تلك الجراح التي لم تلتئم بعد، فمن هو فادي صقر ؟
فادي صقر، أو فادي مالك أحمد وهذا هو اسمه الحقيقي، مواليد حي التضامن بدمشق عام 1974 لأسرة تنحدر من ريف جبلة بمحافظة اللاذقية، برز اسمه مبكرا في العام 2012 حين عين كقائد لميليشيا عرفت باسم «قوات الدفاع الوطني»، بدمشق، قبيل أن يجري تعيينه كقائد عام لتلك الميليشيات على امتداد الجغرافيا السورية بعد مضي عام على هذا التعيين الأخير، وبحسب مصادر إعلامية، وأهلية، فإن صقر كان من المشاركين في حصار «مخيم اليرموك» والعديد من قرى الغوطة الشرقية، إلا إن الإتهام الأكبر له هو الضلوع في «مجزرة التضامن» التي جرت شهر نيسان من العام 2013، وراح ضحيتها 41 مدنيا أعدموا ميدانيا قبيل أن ترمى جثثهم في حفرة تم حرقها لاحقا، والجدير ذكره أن ذلك الإتهام جرى تأكيده عبر صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي قامت بنشر تحقيق استقصائي عن تلك المجزرة شهر نيسان من العام 2022.
صيف العام 2020 كان اسم صقر من بين ثلاثة أسماء صدرت بحقها عقوبات أميركية مشددة، أو هي نسخة جديدة من عقوبات سابقة عليها، و الآخران هما لونا الشبل، مستشارة الرئيس السابق التي قتلت بظروف غامضة تموز 2024، وزوجها عمار ساعاتي، والراجح أن الرجل كان قد أدرك، بالتزامن مع ذلك الفعل جنبا إلى جنب تبلور اتفاق «مناطق خفض التصعيد»، أن الإحتياج إليه آخذ بالتناقص تدريجيا، حيث سيبرز لديه ميل للتجارة، ووفق مصادر فإنه اليوم مالك لمول «بيغ فايف»، وله استثمارات أخرى تقدر بملايين الدولارات.
لكن فادي قال أن لا دليل على الإتهامات الموجهة إليه، وفي حديث له مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نفى أن يكون مسؤولا عن «مجزرة التضامن»، لكن في المقابلة الكثير مما يمكن التوقف عنده، فهو اعتبر إن «خلفيته كقيادي في النظام المخلوع تمنحه مصداقية في إقناع أنصار النظام السابق بعدم التخلي عن الحكومة السورية الجديدة»، كما اعتبر أيضا إن «اسمه يمثل اختبارا لإمكانية التعايش بين طرفي الصراع في سورية»، إلا أن أهم ما قاله «هناك نحو 450 ألف ممن انخرطوا في القتال مع ميليشيا النظام البائد ضد السوريين»، ولعل عند هذا القول الأخير تكمن «كلمة السر» في تعاطي الحكومة السورية مع هذا الملف، ففتحه كاملا سيعني «خلق» طبقة واسعة من «المتضررين» قوامها لا يقل عن ميلوني عضو إن لم يكن أكثر، هذا إن افترضنا أن عوائل هؤلاء هي بين 4 - 5 أشخاص فحسب.
تقف الحكومة السورية اليوم أمام امتحان صعب، وسؤاله الأبرز هو : كيف يمكن الجمع ما بين الحفاظ على التوازنات الهشة القائمة وإرضاء الشارع في آن واحد، فقد بات من الثابت أنها أعطت «الأمان» لصقر، ولربما للمئات أيضا ضمن تفاهمات جرت في لحظة شديدة الحساسية، لكن ذلك يصطدم بردود أفعال أقلها الغضب الذي تبديه شرائح واسعة من السوريين، وما يزيد من خطورة الإمتحان هو أن هناك الكثير من «المصححين» الذين ينتظرون أدنى «هفوة» يمكن لها أن ترد في «دفتر» الإجابات.
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
21:45
وكالة تسنيم الإيرانية: أسر قائدة طائرة إسرائيلية في عملية استهداف مقاتلة إسرائيلية.
-
21:35
وسائل إعلام "إسرائيلية": وفقاً للتقديرات تم إطلاق نحو 150 صاروخاً من أصفهان، وتصاعد ألسنة اللهب قرب "الكرياه"مقر وزارة الحرب في "تل أبيب" وتقارير عن إصابة في "تل أبيب".
-
21:31
وكالة الأنباء الإيرانية: بدء الرد الإيراني الساحق بإطلاق مئات الصواريخ الباليستية تجاه إسرائيل.
-
21:31
القناة 13 الإسرائيلية: حريق قرب مقر وزارة الدفاع في تل أبيب.
-
21:17
الجبهة الداخلية "الإسرائيلية": إطلاق صفارات الإنذار في تل أبيب والقدس وعدة مدن وفي مناطق واسعة من "إسرائيل".
-
21:17
الجبهة الداخلية "الإسرائيلية": إطلاق صواريخ اعتراضية للتصدي للصواريخ الإيرانية، ونطالب المواطنين بالدخول لغرفهم المحصنة بعد رصد إطلاق صواريخ من إيران.
