اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في عالم الطب، يُعتبر الصوديوم أحد أهم العناصر الحيوية التي لا غنى عنها في جسم الإنسان. فعلى الرغم من سمعته السيئة المرتبطة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب عند الإفراط في استهلاكه، فإن نقصه، أو ما يُعرف طبيًا باسم "نقص صوديوم الدم"، يُعد حالة خطرة قد تُسبب اضطرابات جسيمة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بوظائف الدماغ.

الصوديوم هو إلكتروليت رئيسي يساعد في تنظيم توازن السوائل داخل وخارج الخلايا، كما يؤدي دورًا أساسيًا في نقل الإشارات العصبية والحفاظ على ضغط الدم. عندما ينخفض مستواه في الدم بشكل كبير، تتعرض خلايا الجسم لاختلالات في التوازن المائي، وهو ما يُعد خطرًا بشكل خاص في خلايا الدماغ، التي تُعد أكثر حساسية لهذا التغير.

تبدأ القصة عادة بأعراض بسيطة قد يظنها المريض ناجمة عن التعب أو الجفاف، مثل الصداع، والارتباك، وفقدان الشهية، والضعف العام. غير أن استمرار انخفاض الصوديوم في الجسم يُحدث تحولًا سريعًا نحو الأسوأ، حيث تبدأ خلايا الدماغ بامتصاص الماء الزائد من محيطها، مما يؤدي إلى تورمها بشكل يضغط على الجمجمة، ويؤدي إلى أعراض عصبية شديدة قد تشمل التهيّج، والهلوسة، والتشنجات، وقد تصل في مراحل متقدمة إلى الغيبوبة أو حتى الوفاة.

تكمن خطورة نقص الصوديوم في الدماغ في أنه لا يمنح وقتًا كافيًا للتدخل إذا لم يتم اكتشافه مبكرًا. فأعراضه العصبية قد تظهر فجأة، خاصةً في الحالات الحادة التي تحدث خلال ساعات قليلة نتيجة التعرّض لإجهاد شديد، أو تعويض سوائل مفرطة عبر الوريد دون تنظيم، أو بسبب أمراض مزمنة كالفشل الكلوي، أو نتيجة تناول بعض الأدوية المدرة للبول أو المضادة للاكتئاب التي تؤثر في توازن الصوديوم.

ومن بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة: كبار السن، ومرضى القلب والكلى، والرياضيون الذين يشربون كميات كبيرة من الماء دون تناول الإلكتروليتات. كذلك، النساء أكثر عرضة من الرجال لتأثيرات نقص الصوديوم في الدماغ، خاصةً خلال فترات التغيرات الهرمونية أو الحمل.

في حال تم تصحيح نقص الصوديوم بشكل خاطئ أو سريع جدًا، فقد يؤدي ذلك إلى حالة تُعرف باسم "متلازمة إزالة الميالين الجسرية"، وهي اضطراب عصبي خطر يحدث بسبب تدمير الغلاف الواقي للأعصاب في الدماغ، وقد يُسبب شللًا دائمًا أو صعوبات في البلع والنطق.

تتمثل الوقاية من هذه الحالة في المراقبة المنتظمة لمستويات الصوديوم في الجسم، خاصةً لدى المرضى المعرضين للخطر. كما ينبغي الحذر عند إعطاء المحاليل الوريدية، وعدم الإفراط في شرب الماء دون حاجة، خاصةً في حالات المجهود الشديد أو أثناء ممارسة الرياضة. ويتطلب العلاج في الحالات المتوسطة إلى الشديدة الدخول إلى المستشفى، حيث يُشرف الطبيب على رفع مستوى الصوديوم تدريجيًا لتفادي الأضرار العصبية.

إن نقص الصوديوم ليس مجرد خلل كيميائي عابر، بل هو حالة قد تتحول إلى أزمة صحية مهددة للحياة إذا لم تُعالج بشكل سريع ومدروس. وما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا هو أن تأثيراته تُصيب أهم مراكز التحكم في الجسد: الدماغ. لذا، فإن وعي الأطباء والمرضى على حدّ سواء بهذه الحالة، وأخذها على محمل الجد، يمثل خط الدفاع الأول ضد تداعياتها الخطرة.

الأكثر قراءة

ساعة اهتزت عظام نتنياهو