اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تشهد السنوات الأخيرة تكرارًا متزايدًا لموجات الحر الشديد، التي تُعتبر من أخطر الظواهر المناخية المرتبطة بالتغير المناخي العالمي. هذا الارتفاع المستمر في درجات الحرارة لا يقتصر تأثيره على الشعور بالانزعاج أو التعب، بل يمتد ليشكل تهديدًا حقيقيًا  لصحة الإنسان، خاصة لدى الفئات الضعيفة صحيًا. فموجات الحر قد تؤدي إلى تفاقم أمراض مزمنة، وتُسبب اضطرابات فزيولوجية وجسدية تتطلب تدخلًا سريعًا. ومن هنا، يكتسب فهم التأثيرات الصحية المرتبطة بالحرارة أهمية متزايدة مع كل صيف جديد.

أول هذه المشكلات وأكثرها شيوعًا هي ضربات الشمس والإجهاد الحراري. فعندما يتعرض الجسم لدرجات حرارة مرتفعة لفترات طويلة دون ترطيب كافٍ أو تهوية مناسبة، تفقد آلية التعرق فعاليتها، ويعجز الجسم عن تبريد نفسه بالشكل الطبيعي. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع شديد في حرارة الجسم الداخلية، ما يسبب تسارع نبضات القلب، والدوار، والغثيان، وفي الحالات الشديدة قد يصل الأمر إلى فقدان الوعي أو تلف في الأعضاء الحيوية.

من ناحية أخرى، تمثل موجات الحر تحديًا خاصًا للأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية. فمع ارتفاع درجات الحرارة، تتمدد الأوعية الدموية في الجسم لتسهيل تبخر العرق وتبريد الجسم، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم. هذا الانخفاض قد يشكل خطرًا على مرضى القلب، ويزيد من احتمال حدوث نوبات قلبية أو اضطرابات في انتظام ضربات القلب. كما أن التعرق الشديد وفقدان السوائل قد يؤدي إلى خلل في توازن الأملاح في الجسم، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لمرضى الضغط المرتفع أيضًا.

ولا يقل تأثير الحر في مرضى الجهاز التنفسي خطورة، خاصة الذين يعانون من الربو أو الانسداد الرئوي المزمن. فالهواء الساخن والجاف يزيد من تهيج الشعب الهوائية، ويؤدي إلى صعوبات في التنفس، خصوصًا في المناطق التي تشهد ارتفاعًا في معدلات التلوث خلال الصيف. وغالبًا ما يضطر هؤلاء المرضى إلى زيادة جرعات أدويتهم أو دخول المستشفيات لتلقي العلاج.

كما ويعتبر مرضى السكري أيضًا من الفئات المعرضة للخطر خلال موجات الحر. فالحرارة تؤثر في فاعلية الأنسولين، كما أن التعرق الزائد قد يؤدي إلى الجفاف، وهو عامل يمكن أن يرفع مستويات السكر في الدم بشكل غير متوقع. كذلك، يصعب على بعض مرضى السكري تمييز أعراض انخفاض أو ارتفاع السكر عند تداخلها مع أعراض الإجهاد الحراري، مما يعقّد السيطرة على حالتهم.

إضافة إلى ذلك، تؤثر موجات الحر بشكل ملحوظ في الصحة النفسية، حيث أظهرت دراسات أن ارتفاع درجات الحرارة يرتبط بزيادة معدلات القلق والتوتر والانفعال. وتكون هذه التأثيرات أشدّ لدى من يعانون من اضطرابات نفسية سابقة، إذ قد تؤدي الحرارة المرتفعة إلى تفاقم حالتهم، أو زيادة خطر التعرض لنوبات ذهانية أو اكتئابية.

أخيرًا، لا يمكن إغفال التأثير الخاص لموجات الحر في كبار السن والأطفال، الذين يعتبرون من الفئات الأضعف في التعامل مع التغيرات الحرارية. فكبار السن يعانون عادة من ضعف في آلية تنظيم حرارة الجسم، أما الأطفال فغالبًا ما يكونون غير مدركين لحاجتهم إلى الراحة أو شرب الماء، مما يعرضهم لخطر الجفاف والإنهاك الحراري بشكل أكبر.

في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى توعية المجتمع بمخاطر موجات الحر، واتخاذ إجراءات وقائية كالبقاء في الظل، شرب كميات كافية من الماء، تجنّب المجهود البدني في أوقات الذروة، ومراقبة الفئات المعرضة للخطر. فموجة الحر ليست مجرد حالة طقس، بل تهديد صحي حقيقي يجب التعامل معه بجدية ومسؤولية.

الأكثر قراءة

ساعة اهتزت عظام نتنياهو