اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


البداية ـ النهاية بقول الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنار ـ هنري ليفي "لندع هؤلاء الموتى يرقصون التانغو مع الموتى". نحن الموتى الذين ما زلنا نرقص التانغو بين القبور...

هل هذه سورية التي يحلم بها السوريون؟ قبائل ياجوج وماجوج بقطع الرؤوس، وقص الشاربين، وركل العمامات بالأقدام؟ هذا مصير كل الطوائف الأخرى (الفئات الضالة).

 الخطوة الأولى كانت مع العلويين، ضحايا الأزمنة، وحتى ضحايا تلك الحقبة الزمنية التي كان فيها رئيس علوي للبلاد، ودون أن يرف جفن لا لدولة عربية ولا لدولة غربية. الخطوة الثانية مع الدروز، الذين لم يعرفوا في تاريخهم مثل ذلك النوع من الاذلال، حتى وهم مضرجون بدمائهم.

أيها الرئيس أحمد الشرع، نعرف بأنك لست أنت من يحكم سورية، التي تغصّ الآن بذلك النوع من البرابرة الذين لم يهبطوا من كوكب آخر، بل هم نتاج ثقافتنا، ونتاج فقهائنا الأجلاء الذين يتقدمون المجالس والجلسات. كما لو أننا أمام العصر الحجري في سورية التي بادارة من، أنقرة أم واشنطن أم أورشليم؟ حتمًا لا نريد تذكيرك بمصير أديب الشيشكلي الذي أرسل في الخمسينات من القرن الفائت، 10000 جندي الى السويداء، وقصفها بالمدفعية الثقيلة.

يوم أمس، كان يوما زلزاليا بالنسبة الى السلطة السورية، والى الرعاة الاقليميين. بالتأكيد لا يمكن للشرع أن يتفرد بقرار غزو منطقة السويداء، بوجود التهديدات "الاسرائيلية" المتلاحقة. أوساط ديبلوماسية خليجية تقول "ربما حدث خطأ في فهم الموقف الأميركي، اذ إن اتصالات جرت على خط أنقرة ـ الدوحة ـ واشنطن، وقد فهم منها أن الادارة التي تضغط لتنفيذ الاتفاق، الذي وقّع بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، لا تمانع القيام بعملية عسكرية لانهاء "الوضع الشاذ" في السويداء.

بيد أن غارات أمس، ليس فقط في قلب دمشق، وانما في قلب السلطة، بتدمير مبنى هيئة الأركان، كانت تريد القول لمن يعنيهم الأمر أن سورية ليست في القبضة التركية، ولا في القبضة السعودية أو القطرية، وانما في القبضة "الاسرائيلية".

لا يعنينا الشرع، بل تعنينا سورية. واذا كان نظام حافظ الأسد ووارثه بشار الأسد، قد وصف بالنظام الطائفي الذي يدفع بالبلاد الى الهاوية، بماذا يمكن وصف النظام القائم؟ والى أين يمكن أن يصل بسورية؟ أيها السادة، الى حيثما تشاء "اسرائيل" التي لا تريد فقط من الرئيس الانتقالي الاعتراف العلني بكون مرتفعات الجولان أرضًا "اسرائيلية" (ضمناً اعترف بذلك)، وانما ادارة عملية تفكيك سورية، تنفيذا للنص التوراتي الذي يحذّر من "ذئاب الشمال"، كما يتنبأ بزوال دمشق من بين المدن، وتحولها الى ركام من الأنقاض.

ليس صحيحا أن الطوائفية، وهي الوباء الرهيب الذي يضرب العرب ويضرب المسلمين، هي صناعة أميركية فقط اذا لاحظنا مدى تغلغل الزوايا البشعة من التاريخ في وعينا، وفي لاوعينا (وحتى في يومياتنا).

هنا نعود الى كلام للأميركي وليم طومسون في كتابه "الأرض والكتاب" الذي صدر عام 1870، وفيه وصف دقيق للكراهية التي تستشري بين الطوائف في الـ 400 مدينة وبلدة لبنانية التي كانت موجودة آنذاك، ليستنتج أن هذه الطوائف لا يمكن أن تشكل شعبا موحدا...، وبالتالي سيبقون ضعفاء غير قادرين على الحكم الذاتي، ومعرضين لغزوات واضطهاد الأجانب".

مرارا قلنا إن حجر قايين ظل يتدحرج عبر الأزمنة، الى أن استقر في عقر دارنا. الدليل أين هي الدولة العربية؟ وأين هي السلطة العربية التي تستطيع البقاء دون حماية القوى العظمى (أميركا تختزل الآن)؟ كل هذه القوى باستنزافها الدرامي ليس فقط للثروات العربية، وانما للأجيال وللأزمنة العربية.

من لا يعلم أن ثمة حكومات عربية تنثر المليارات، لاقامة دولة الطائفة الواحدة ـ الدولة ذات البعد الواحد ـ إن في سورية أو في لبنان. منطقيا، يفترض ألا تكون هناك أي قوة عسكرية خارج نطاق السلطة. ولكن أليست الدولة هي التي سلمت الجنوب بل ولبنان الى ياسر عرفات، ليعيش أهل الجنوب كل أشكال الذل في ظل الفصائل المسلحة التي في أغلبها، تمارس "الكفاح المسلح" على غرار راقصات الباريزيانا في بيروت، ثم الى آرييل شارون الذي ارتكب الفظائع، وعلى مدى عقدين من الزمن بأهل الجنوب وبأرض الجنوب؟

في هذه الأجواء الطائفية العاصفة، وحيث ذبح العلويون على وقع "الله أكبر" ، أو على وقع تكشيرة الحجاج بن يوسف الثقفي، وحيث ذبح الدروز كالخراف في منازلهم. جحافل بشرية لكأنها قادمة من قعر جهنم، لتزرع الموت أينما حلت. اذا نعرف كيف باع الأميركيون الأكراد الى رجب طيب اردوغان ثمنا لدوره في خدمة "اسرائيل"، ما الذي يمنعهم من بيع لبنان الى أحمد الشرع، وهو الذي أعلن بصوت عال، "اسرائيل ليست عدوتنا بل ايران وحزب الله"؟

في هذه الحال، والجيش اللبناني ينتشر في الجنوب، كما في مختلف المناطق القابلة للانفجار، لسبب أو لآخر، من يستطيع أن يقف في وجه ذلك النوع من المجانين، أكانوا من الأيغور، أم من ألأوزبك، وحتى من السوريين الذين يلتحقون بعشرات الآلاف بالجيش السوري، وبقوات الأمن العام، اذا توجهوا الى طرابلس أو الى بعلبك، والى ما بعد طرابلس، والى ما بعد بعلبك، وهو رهان بعض البلدان العربية؟ كما هو رهان تركيا و "اسرائيل". كل هذا من أجل القضاء على حزب الله، باعتباره (تابعوا التصريحات الأميركية) لا يهدد فقط الأمن الاستراتيجي لللدولة العبرية، وانما لسائر بلدان الشرق الأوسط، بل وللعالم!

لكن غارات أمس، التي أظهرت هشاشة السلطة في سورية، والتي فاجأت البلدان الحليفة، لا سيما الدول الاقليمية، التي تتولى تعويمها سياسيا وماليا، لا بد أن تغير الكثير من الأدوار وكذلك من التصورات والرهانات، وبعدما أخذت علما بأن أحمد الشرع ينبغي أن يكون اداة "اسرائيلية"، قبل أن يكون أداة في أي يد أخرى.

تلقائيا، وبعدما كان هناك من يراهن على دور لدمشق في الضغط، بما في ذلك الضغط العملاني على لبنان، فان صورة السلطة في سورية قد انكسرت، ليلاحظ السوريون أن رعاة الدولة الجديدة في سورية الدولة الاسلامية، وحتى الولاية العثمانية، اضعف بكثير من أن يتولوا ادراة سورية أو التحكم بسياساتها، دون أن ينفي ذلك في حال من الأحوال، أن كل ما يحدث انما يحدث تحت المظلة الأميركية، وبالأصابع الأميركية الغليظة.

أيها الصديق أدونيس، قل كلمتك مرة أخرى: لا قيامة للعرب (وأي عرب؟)، ولا قيامة للمسلمين (وأي مسلمين؟).

الأكثر قراءة

دمشق تحت النار ومجازر في السويداء: لا رابح من لعبة الخراب التركية «الإسرائيلية»! كيف انكسرت حسابات الشرع على أبواب السويداء؟ «تل ابيب» تريد الجنوب السوري «منطقة عازلة» وحاكم خليجي: لقد خدعنا الأميركيون