اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يشغل المغنيسيوم مكانة أساسية بين العناصر الغذائية الضرورية لنمو الطفل وصحة جهازه العصبي، إذ يؤدي دورًا حيويًا في مئات العمليات البيوكيميائية داخل الجسم. ورغم هذه الأهمية، كثيرًا ما يُغفل تأثير انخفاضه على سلوكيات الأطفال ونمط نومهم، خاصة في ما يتعلق بفرط النشاط، التوتر، وقلة النوم العميق. وقد بدأت الدراسات الحديثة تُسلّط الضوء على العلاقة الوثيقة بين نقص هذا المعدن الحيوي وظهور أعراض تُشبه اضطرابات سلوكية معروفة، ما يدعو إلى مراجعة النظرة الطبية التقليدية لتلك الأعراض.

يلعب المغنيسيوم دورًا مهمًا في تنظيم نشاط الجهاز العصبي، حيث يساهم في تهدئة الإشارات العصبية وتحقيق التوازن بين الاستثارة العصبية والاسترخاء. عندما ينخفض مستواه في الجسم، يصبح الجهاز العصبي أكثر عرضة للفرط في الاستجابة للمؤثرات الخارجية، ما قد يُترجم إلى سلوكيات مثل القلق، فرط النشاط، الانفعال الزائد، وضعف التركيز. هذه الأعراض غالبًا ما تُشخص خطأً على أنها اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD)، بينما قد يكون السبب الأساسي هو خلل غذائي يمكن تصحيحه بسهولة.

من جهة أخرى، يرتبط المغنيسيوم ارتباطًا وثيقًا بجودة النوم. فهو يشارك في تنظيم إفراز الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن دورة النوم والاستيقاظ، كما يُسهم في استرخاء العضلات والأعصاب، مما يساعد على الدخول في النوم بسلاسة. نقص المغنيسيوم يؤدي إلى صعوبات في الخلود إلى النوم، كثرة الاستيقاظ أثناء الليل، والنوم غير العميق، وهي مشاكل شائعة لدى الأطفال يعاني منها الأهالي دون معرفة السبب الحقيقي.

لا يقتصر تأثير نقص المغنيسيوم على السلوك والنوم فحسب، بل يمتد ليشمل الصحة الجسدية أيضًا، حيث قد يعاني الطفل من تشنجات عضلية، ضعف في النمو، فقدان الشهية، الإمساك، وحتى اضطرابات في نبض القلب في الحالات الشديدة. وغالبًا ما يصعب تشخيص نقص المغنيسيوم بالتحاليل المخبرية وحدها، لأن معظم المغنيسيوم في الجسم موجود داخل الخلايا وليس في الدم.

تتعدد أسباب نقص المغنيسيوم عند الأطفال، فقد يكون نتيجة لنظام غذائي فقير بالخضروات الورقية، المكسرات، الحبوب الكاملة، أو بسبب امتصاص ضعيف في الجهاز الهضمي نتيجة مشاكل صحية مثل حساسية القمح أو الالتهابات المزمنة. كما قد تُسهم العادات الغذائية السيئة مثل الإفراط في تناول الأطعمة المعالجة والمشروبات الغازية في استنزاف المغنيسيوم من الجسم.

لمعالجة هذا النقص، يُفضل دائمًا تعديل النظام الغذائي أولًا بإدخال أطعمة غنية بالمغنيسيوم، مثل السبانخ، الأفوكادو، الشوفان، اللوز، وبذور اليقطين. وفي بعض الحالات، قد يوصي الطبيب باستخدام مكملات المغنيسيوم، ولكن تحت إشراف متخصص، لتفادي الجرعات الزائدة أو التفاعلات مع أدوية أخرى.

إلى ذلك، يعتبر نقص المغنيسيوم أحد العوامل الخفية التي قد تكون وراء فرط النشاط واضطرابات النوم لدى الأطفال، والتي كثيرًا ما تُفسر بشكل خاطئ على أنها مشاكل سلوكية بحتة. التوعية بأهمية هذا المعدن ومراقبة النظام الغذائي للأطفال يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في تحسين سلوكهم ونومهم وصحتهم العامة، مما ينعكس إيجابيًا على نموهم العقلي والجسدي.

الأكثر قراءة

بارّاك يعلن سياسة «العصا والجزرة» لإخضاع لبنان لخطة واشنطن توافق بين عون وبري على الرد اللبناني... وسلام اكثر تشدداً!