اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


من الواضح أنه بات من الضروري أن يشرح أحد وظيفة وكيفية بناء الدولة وأساس وجود المقاومة، بعد أن ضلّلت الحرب الإعلامية الرأي العام، بتشويش المفاهيم الواضحة واهتزاز الأفكار الثابتة، وتغييب التاريخ كخلفية أو سبب للواقع، عدا عن تحويل النتائج لأسباب من أجل خدمة المشروع الأميركي، ومَن يُشارك فيه داخل البلد بتولّيه مهمة كيّ الوعي، وحصر مشاكل بلد بأكمله بحصرية السلاح وليس بالإحتلال "الإسرائيلي"، في وقت لا زال لبنان غارقا بأزمته الإقتصادية التي انفجرت عام ٢٠١٩ ، بسبب نهج الدولة وسياساتها المالية والإقتصادية قبل أن تُصبح المقاومة جزءاً منها..

هذا المنطق انتقل مِن منبر وسائل الإعلام الى منبر مجلس النواب، ليُكرِّسه ممثلو الشعب كنهج مُتَّبع، يَعتمد قلب الأولويات والسير عكس التيار من النهاية الى البداية، فاقتصر مضمون كلمات أغلب النواب حول سلاح المقاومة، كعائق أساسي أمام بناء الدولة ، ولم يتم ذكر الإحتلال "الإسرائيلي" وعدوانيته ولو بحرف واحد، مما اضطر بعض النواب الى تذكيرهم بما يفعله العدو "الإسرائيلي"، وصولاً الى كلمة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض، التي عاد فيها الى الوراء ليذّكر مَن يتناسى كيف نشأت المقاومة وليشرح واقع الدولة في لبنان.

عاد النائب فياض الى التاريخ، الى زمن السيد عبد الحسين شرف الدين، وبعده السيد موسى الصدر، الذي ناشد مرات ومرات الدولة اللبنانية كي تأخذ دورها في حماية البلد، والدفاع عنه وعن أهله من الإحتلال "الإسرائيلي"، وللتذكير أن المقاومة نتيجة وليست سبباً، وأن هناك نقطتين أساسيتيْن يجب ذكرهما كسبب لنشأتها:

- الأولى: الإحتلال الإسرائيلي.

- الثانية: تقاعس الدولة وتخلّيها عن دورها ، وترك الجنوب وأهله لمصيرهم.

فمَن يُطالِب بنزع سلاح المقاومة اليوم ، ويتجاهل سبب حمل أهل الجنوب للسلاح للدفاع عن أنفسهم في ظل غياب الدولة، كان يُبرِّر لِكل الذين تعاملوا في المنطقة الحدودية مع العدو "الإسرائيلي" أثناء احتلاله لها، أنهم اضطروا أن يُصبحوا عملاء بسبب غياب الدولة، طبعاً على اختلاف التشبيه، لكن هذا الرأي يؤكد أن الهدف لهؤلاء هو النيل من المقاومة، وليس بناء الدولة، لذا اضُطر النائب فياض لوضع النقاط على الحروف، والتحدّث عن واجبات الدولة وأولوياتها، والخطوات التي يجب اتباعها قبل الحديث عن حصرية السلاح، مستنداً الى الدستور اللبناني واتفاق الطائف وليس لشعارات شعبوية وطائفية.

استخدم النائب فياض مصطلح "القفز عن كل مشاكل البلد" ، مُتوجِّهاً للذين يختصرونها بسلاح المقاومة، وذَكَر 14 قضية وطنية عالقة على الدولة حلّها ،قبل الوصول الى بحث "حصرية السلاح"..  أساسها تحرير لبنان من الإحتلال "الإسرائيلي" وتحرير الأسرى، وحق لبنان بمياهه ونفطه وغازه، ورفع "الفيتو" عن حق الجيش اللبناني في امتلاك أسلحة دفاعية‎، عدا عن حل مشكلة النازحين السوريين وتوطين الفلسطينيين، بالإضافة الى إعادة الإعمار وحتى لو كانت تواجهه تعقيدات في الوقت الحالي، على الدولة إيواء أهل القرى الجنوبية الحدودية.. كل ذلك يَعمي طلاّب "نزع السلاح" عيونهم عنها، ويَقومون بدورهم بإعماء الرأي العام معهم، من خلال ما يُروِّجون له مِن قلب للحقائق والوقائع..

أما استعداد حزب الله للحوار الداخلي حول شمال الليطاني، والذي تحدّث عنه الشيخ نعيم قاسم، كان لا بدّ من التذكير أن ذلك ليس نتيجة للحرب الأخيرة كما يدّعي البعض، فتجربة الحوار حول استراتيجية دفاعية خاضها حزب الله في عهديْ الرئيسين اميل لحود وميشال سليمان، وفي إحدى المراحل وخلال عهد الرئيس لحود حضر الشهيد السيد حسن نصرالله شخصياً على طاولة الحوار ، وفيما بعد قدّم نظرية متكاملة حول الإستراتيجية الدفاعية، وأبدى خصومه إعجابهم بها وقتها. ما يعني أن حزب الله كان مستعداً للحوار في ذروة قوّته، وعندما كانت الظروف الإقليمية لصالحه، والمشكلة كانت دائماً في الدولة وعجزها عن حماية البلد من جهة، وبالأميركي الذي يمنع تسليح الجيش ويريد استسلام الدولة وليس بنائها، كما يُحاول أن يُروّج البعض.

هناك معادلة قالها فياض مضمونها أن تطوير القدرة الدفاعية للدولة، يُقابله تراجع الأدوات الإستثنائية والبديلة، لكن عدم تحقيق ذلك هو ما يمنع توقّف عمل البديل، الذي يقوم بدور الأصيل، وهذا أمر تلقائي ومنطقي في بلد مثل لبنان، يُواجه إحتلال ومخاطر وجودية، ويَستلزم قوّة تدافع عنه وليس نزع هذه القوّة، خاصة مَن يتبنّى نظرية نزع سلاح المقاومة بالقوّة، بحجة أنه عائق بوجه بناء الدولة. هنا كان لا بدّ من تحذير أن إستخدام القوّة بوجه مُكوِّن لبناني كبير، يُعطي صوته لأكبر حزب في لبنان من أجل المقاومة وسلاحها، لا يُمكن التعامل معه بقوّة، فاستخدام القوّة في هذه الحالة يعني حربا أهلية، والتجربة تقول إن مَن دفع ثمن هذه الحرب في السابق الدولة والمجتمع، فكيف مَن يريد بناء الدولة أن يدعو لتهديمها من جديد؟!!..

لقد انتقل عضو كتلة الوفاء للمقاومة بكلمته من الدفاع الى الهجوم بالقانون والدستور والمنطق، وترتيب الأولويات والخطوات التي تؤدي الى بناء دولة قوية وعادلة، قادرة على حماية لبنان الأرض والشعب والكيان.. ففي زمن التضليل والتشويه وقلب الحقائق، لا بدّ من كسر الصمت أحياناً، كي لا يتوهّم أهل الباطل أنهم على حق..

الأكثر قراءة

من هو الشريك المسيحي الذي يراهن عليه في لبنان؟ جنبلاط صاحب قرار "الحرب والسلم" في الجبل... يختار المصالحة وشريكه فيها