اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يلتزم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بسياسات اقتصادية واجتماعية وفكرية تستند إلى رؤية بعيدة وإلى توقع ما يمكن أن يحدث من متغيرات. من هنا اعتماد سياسات الشراكة الاستراتيجية في كل المسائل من أمنية وسياحية وإنمائية وغذائية. وبالتالي فإن سبر غور السياسات السعودية يفترض معرفة أبعاد هذه «الشراكات الاستراتيجية».وما يهمنا في هذا السياق العلاقة مع لبنان والواقع الاقليمي.

في العلاقة بين السعودية ولبنان لا بد من الرجوع إلى مئة عام. فالملك المؤسس للمملكة كانت تربطه علاقة وثيقة بالمفكر اللبناني أمين الريحاني وكان يميّز لبنان بعطف خاص ومكانة عميقة فنشأ عن ذلك خط بياني مستقيم يحكم علاقة الرياض بالدولة اللبنانية. وهكذا لا يمكن أن يكون هناك «تخلي عن لبنان» في الحسابات السعودية. وإنما هناك عتب على مرحلة قريبة حاولت فيها المملكة مساعدة لبنان عبر اتفاقات ترتكز على التزامات قانونية. وكان هناك «هروب لبناني» حاولت السلطة اللبنانية تبريره أكثر من مرة.

ففي التقدير السعودي أنه كان يزور لبنان إلى العام 2018 أكثر من 500 ألف خليجي. وتراجع العدد بشكل كثيف بعد ذلك. وحاولت المملكة وعبر أربع اتفاقات تمّ التوصل إليها في اللجنة المشتركة اللبنانية السعودية دفع الامور اللبنانية إلى الأمام وتحريك القطاع السياحي وتوفير مداخيل للدولة من السياح الخليجيين تقارب 5 مليار دولار سنويا من الإقامة في الفنادق ومن المطاعم ومن شراء الملابس والمجوهرات واستئجار السيارات ومن السياحة الاستشفائية وعمليات التجميل. كما أن الرياض وضعت معايير للاستثمار والاستيراد والتصدير مع لبنان لم يتم الالتزام بها. فالاعتراض السعودي لم يكن فقط على تهريب المخدرات. وإنما على ما يلازمه ويرتبط به من غسيل للأموال واتجار بأعضاء البشر والأطفال.

والغريب في الأمر أن هناك شراكة استراتيجية في الأمن الغذائي مع أكثر من مائتي دولة ليس لبنان بينها رغم اهتمام المملكة بالقطاع الزراعي وإمكانية ما يوفره سهل البقاع من احتياجات غذائية. هذا وكانت المملكة قد طرحت هذا الأمر على لبنان في اللجنة المشتركة في ضوء ضرورة الاستجابة للمعايير السعودية المطلوبة.

في المقاربة السعودية أن رئيس الحكومة الحالي الدكتور نوّاف سلام هو الذي يسارع إلى تحريك الإتفاقات وإلى الأخذ بالمعايير. وهذه ناحية ايجابية في التقدير السعودي الذي يلمس تحولا جوهريا ايجابيا من الحكومة ومن الجهات الأمنية وفي المطار أيضا تجاه المسافر السعودي.

ما يمكن للمراقب السياسي استنتاجه أن المملكة تربط حاليا علاقتها الأساسية بالدولة اللبنانية وليس بجهات من خارجها. وهذا مؤشر على الانفتاح على كل المكونات وعلى التنوع وعلى دعم فكرة بناء الدولة والمواطنة الذي تبناها خطاب القسم للرئيس العماد جوزاف عون.

وليس من قبيل المصادفة أن يشير السفير السعودي البخاري في حواراته مع نخب فكرية وثقافية أكثر من مرة إلى التجربة الشهابية وإلى بناء المؤسسات استنادا إلى الكفاءة والخبرة. فمن يلتقي به يلمس أنه يغرف من ثقافة واسعة وملمّ بالتاريخ اللبناني وقارئ شغوف للمؤرخ فيليب حتي وملمّ بتفاصيل كثيرة.

أيا يكن الأمر مقاربة الواقع الاقليمي سعوديا أن الأمن القومي مهدد في أكثر من بلد عربي وغير عربي. ما يفترض مراجعات سياسية وايجاد «المخارج». ذلك أن ’’خيار المملكة الأول هو السلام في المنطقة‘‘ على ما يردد السفير البخاري. وهو سلام يرتكز على «حل الدولتين» وإلى وقف الحرب على غزة وإلى مبادرة جلالة الملك المؤسس الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود.