اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


صدر عن "بنك عوده" تقريره الاقتصادي الفصلي الجديد بعنوان "ثلاثة شروط لتعزيز عامل الثقة ولعودة الناتج ودخل الفرد إلى مستويات ما قبل الأزمة"، وجاء فيه: "شهد النصف الأول من العام 2025 تحوّلاً لافتاً في المسار، نتيجة الخروقات السياسية المحلية بعد إنجاز الانتخابات الرئاسية الواعدة، وتأليف حكومة من ذوي الكفاءات، وإتمام التعيينات في مناصب إدارية رئيسية واتخاذ بعض المبادرات الإصلاحية. وقد رحّبت الأسواق بهذه التطورات حيث سجّلت انعطافاً ملحوظاً في أدائها. ففي الواقع، سجّلت بعض المحطات المهمة، نذكر منها ما يلي:

- نمو المستوردات بنسبة 16% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام نتيجة تحسّن الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية في الداخل. وإذا عزلنا عامل التضخم المستورد (6.7%) تكون الواردات الفعلية قد نمت بنسبة 9.3% خلال الفترة.

- ازدياد الطلب على الليرة اللبنانية، ما أتاح لمصرف لبنان تعزيز احتياطياته بمقدار 1.2 مليار دولار منذ بداية العام (معوّضاً عن الخسائر بقيمة 500 مليون دولار التي تكبدّها خلال الحرب الشاملة)، لتبلغ زهاء 11.3 مليار دولار في نهاية حزيران، وهو أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات.

- ارتفاع أسعار سندات اليوروبوندز إلى حدود 18 سنتا للدولار الواحد اليوم (مقابل 6 سنت للدولار الواحد في أواخر أيلول الماضي)، إذ راهن المستثمرون المؤسساتيون بأن يفضي الخرق السياسي إلى الإفراج عن الاصلاحات وعملية إعادة هيكلة الدين التي طال انتظارها.

- ارتفاع الودائع بالنقد الأجنبي (الفريش) لدى المصارف بقيمة 800 مليون دولار منذ بداية العام الحالي، حيث قفزت من 3.2 مليار دولار في بداية العام إلى 4.0 مليار دولار حالياً، بينما الانتظام الكامل للقطاع لا يزال يتطلّب إصدار القوانين المرتبطة بإعادة هيكلة المصارف ومعالجة الفجوة المالية.

إلا أنّ مناخاً من الحذر لا يزال يخيّم على الاقتصاد والأسواق في ظل الضبابية السائدة. إن غالبية التحديات تتمحور حول ثلاث مسائل رئيسية:

1- إنّ الحاجة لاستعادة الثقة تفرض صمود وقف إطلاق النار، واستعادة هيبة الدولة والجيش وحصر السلاح بيد الدولة، والعمل على إرساء أسس سلام عادل وشامل. ويبدو ذلك كشرط مسبق من أجل تأمين الحاجات التمويلية لإعادة البناء.

2- يشكّل تحدي إعادة هيكلة المصارف اختباراً رئيسياً، يرتبط بقدرة الدولة على إصدار قانون إعادة الهيكلة وقانون معالجة الفجوة المالية خلال الأشهر المقبلة، وتحديداً قبل إجراء الانتخابات النيابية في أيار 2026، إذ ستتحوّل الحكومة بعد هذا التاريخ إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين تأليف حكومة جديدة. يجدر الذكر أنّ القطاع المصرفي اللبناني يرزح اليوم تحت ضغوط، ولا سيما جراء التراجع السنوي للسيولة الحرّة، ما يضع استدامة القطاع عموماً على المحك.

3- لا يقل أهمية عن كل ما سبق الحاجة للتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. فلبنان بحاجة ماسة للدعم الدولي والذي لا يمكن تأمينه إلا من خلال الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد. إنّ الاتفاق مع الصندوق إنّما يمثّل شرطاً أساسياً لتأمين الدعم المالي من قبل الدول المانحة، ذاك أنّ الوعود السابقة لم تترجم على أرض الواقع في ظل غياب مراقب دولي ذي مصداقية للإصلاحات المطلوبة، ألا وهو صندوق النقد.

إنّ هذه المسائل الثلاث إنما تمثل متطلبات ضرورية لاستعادة الثقة من قبل المجتمعين المحلي والدولي، وتأمين الأرضية للمجاميع الاستثمارية الملحة والتي جاءت دون المستوى لفترة طويلة، وتأمين النهوض الاقتصادي المستدام في المدى المتوسط والطويل، ما يخوّل البلاد العودة إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي ودخل الفرد الذين كانا سائدين قبيل اندلاع الأزمة في العام 2019.

على المستوى النقدي، رأى تقرير "بنك عوده" أنّه لقد كان لافتاً استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق الموازية خلال العامين المنصرمين وذلك على الرغم من تداعيات الحرب على مدى 13 شهراً والمناخ الضبابي الذي هيمن على البلاد. ويعزى هذا الاستقرار في سعر صرف الليرة من الناحية التقنية إلى اعتماد مصرف لبنان سياسة تجفيف النقد المتداول بالليرة. في الواقع، بلغ حجم النقد المتداول زهاء 65 ترليون ليرة في المتوسط خلال العامين الماضيين، ما يعادل أقل من 800 مليون دولار، أي أقل من 10% من الاحتياطيات السائلة من النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان، ما يشير إلى أن سوق القطع بقيت تقنياً تحت السيطرة.

.

.

إنّ الليرة اللبنانية لم تستعد دورها كوحدة محاسبة، حيث يجري في معظم الأوقات استخدام الدولار للأغراض المحاسبية. في المدى المنظور، ينبغي للعملة الوطنية أن تستعيد دورها كوحدة محاسبة وأن تُعتمد أكثر فأكثر في الأغراض المحاسبية. يجب على المؤسسات المالية والشركات الضخمة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم اعتماد العملة الوطنية في محاسبتها. وفي حين يصحّ القول بأن بعض المؤسسات الكبرى تحتاج لنشر حساباتها المالية بالدولار أو اليورو، إلاّ أن هذا الإفصاح ينبغي أن يأتي تكملة لعملية الإفصاح بالعملة الوطنية، وليس بديلاً عنها.

إنّ الليرة اللبنانية لم تستعد دورها كعملة ادخار رغم التحويلات النسبية إلى الليرة اللبنانية في الأشهر القليلة الماضية، وعلى الرغم من الفارق في معدل الفائدة بين متوسط الفائدة على الودائع بالليرة ومتوسط الفائدة على الودائع بالدولار. في الواقع، بلغ متوسط الفائدة على الودائع بالليرة في القطاع المصرفي زهاء 2.1% في أيار 2025، في حين أن متوسط الفائدة على الودائع بالدولار بلغ 0.10% في التاريخ نفسه.

بالتأكيد إن الليرة اللبنانية لم تستعد دورها الإقراضي ذاك أن العملة الوطنية لا تستخدم لغايات التسليف. من المهم أن تستعيد الليرة ولو بشكل جزئي دورها الرابع، والذي لا يقل أهمية عن أدوراها الثلاثة السابقة، وهو أن تستخدم كأداة للتسليف. إن استعادة دور الليرة اللبنانية كأداة تسليف سيسهم من دون شك في تحفيز الوساطة المالية إلى جانب دعم نوعية الموجودات لدى المصارف اللبنانية بشكل عام.

في المحصلة، إن التحدي النقدي للمرحلة الجديدة يكمن في أن تستعيد الليرة اللبنانية تدريجياً أدوارها الأربعة التي خسرتها بعد الأزمة. ويجدر القول هنا بأنّ العملة الوطنية هي أحد أوجه السيادة في أي بلد، مثلها مثل الجيش والأرض، ما يبرز أهمية حمايتها وتحفيز دورها كركن أساسي من أركان الاقتصاد الوطني بشكل عام".

الأكثر قراءة

ما خفي من كلام براك... فضحته "عشاواته"