اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يُلقي الخوف المستمر من الاعتداءات والعنف الذي تمارسه القوات المسلحة الإسرائيلية والمستوطنون الإسرائيليون بثقل كبير على الصحة النفسية للفلسطينيين في الضفة الغربية، ولا سيما للسكان في المناطق الريفية جنوب الخليل مثل مسافر يطّا. ففي هذه المناطق، يُعدّ التهديد اليومي بالترحيل القسري أو التعرّض للإصابة أو حتى الموت، كما شهدنا مؤخرًا، واقعًا لا يفارق السكان. وفي هذا السياق، تدير منظمة أطباء بلا حدود عيادات متنقلة في هذه المنطقة، غير أن المخاوف الأمنية، بما في ذلك ازدياد عنف المستوطنين، أدّت إلى تعطيل كبير في أنشطتنا.

وتشرح مديرة الشؤون الإنسانية مع أطباء بلا حدود في الخليل، فريدريكه فان دونغن، "نشهد في الوقت الحالي عمليات هدم متكرّرة للمنازل تنفّذها القوات الإسرائيلية التي داهمت قرى مسافر يطّا مرارًا وتكرارًا. في بعض هذه القرى، هُدم ما يصل إلى 85 في المئة من المنازل. هذه السياسات والممارسات التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، والتي يرد أنها تهدف إلى ضمّ الضفة الغربية، تترك أثرًا بالغًا على الصحة الجسدية والنفسية لمرضانا. أما هجمات المستوطنين، الذين غالبًا ما يرافقهم الجيش الإسرائيلي، فباتت تحدث بشكل شبه يومي، وتزداد حدّة وعنفًا، ما يؤدي إلى المزيد من الإصابات وحالات الاستشفاء".

اشتداد الهجمات يخلّف جراحًا جسدية ونفسية

خلال الأشهر الماضية، واجه السكان الفلسطينيون في مسافر يطّا تصاعدًا في هجمات المستوطنين الإسرائيليين. ويصف السكان حوادث شبه يومية تشمل الضرب وترك المواشي لتخريب الأراضي الزراعية وقطع الطرق وهدم المنازل، فضلًا عن ضغط نفسي مستمر.

في شهر أيار، اقتحم المستوطنون خربة جنبا في مسافر يطّا، تاركين وراءهم أجسادًا مصابة ومحاصيل مدمّرة، وخوفًا متفاقمًا من أن السلام لم يعد ممكنًا.

ويقول عليّ الجبرين، وهو أحد أهالي القرية، "ضربوا رجلًا مسنًا على رأسه واستدعت إصابته أكثر من 15 غرزة. لا يزال أحد المصابين هنا، ويده مكسورة. وقد أُصيب رجل آخر بمشاكل نفسية شديدة بعدما أمضى أسبوعين في العناية المركزة. فالعنف مستمر لا يهدأ".

ويوضح قصي العمور البالغ من العمر 18 عامًا، والذي ظلّ يعرج لأسابيع بعد تعرّضه للاعتداء، "كانوا قرابة 17 مستوطنًا وجاؤوا في ثلاث سيارات. ضربوني أنا وأبي وأخي أحمد. ثم عادوا مرة أخرى في تلك الليلة. دمّروا مأوانا والعيادة والمسجد. كان والدي في حالة حرجة وقد انخفض معدل نبض قلبه إلى 35. وفقد أخي وعيه لعدة أيام. حاصرونا لأكثر من ساعة قبل أن يُسمح لسيارة الإسعاف بالدخول".

ويضيف قصي، "نفسيًا، الوضع صعب. المستوطنون يأتون تقريبًا كل يوم، حتى في ساعات الليل. ولكن هل سنرحل؟ كلا، نحن باقون. وأملي أن يرحلوا هم يومًا ما، لنعيش نحن في سلام".

هذا ويتعرّض الأطفال للعنف والترهيب ومظاهر العسكرة منذ سن مبكرة، ما يخلّف علامات صدمة نفسية عميقة تظهر في شكل كوابيس ونوبات هلع وصعوبة في التركيز داخل الصفوف المدرسية.

وتوضح فان دونغن، "الجميع متأثر. التهديد الدائم بالعنف يدفع الناس إلى استحضار أسوأ السيناريوهات في أذهانهم. فماذا سيحدث عندما يقتحم المستوطنون منزلهم؟ وإذا كان في المنزل بنات أو كانت الزوجة حاملًا، هل سيتمكنون من حمايتهن أم سيقفون عاجزين؟ ماذا لو اضطروا إلى النزوح؟ وإذا كانت والدتهم تعاني من عجز جسدي، هل ستكون قادرة حتى على الانتقال إلى مكان آخر؟".

كيف تستجيب أطباء بلا حدود للوضع في الخليل؟

خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، كان أغلب المرضى الجدد الذين قصدوا عيادات أطباء بلا حدود في الخليل للحصول على دعم نفسي قد أُدخلوا بسبب تعرّضهم لحوادث عنف. وكانت هذه الحوادث السبب وراء 94 في المئة من حالات الإدخال في شهر حزيران 2025 وحده.

في الخليل، تقدّم أطباء بلا حدود الرعاية الطبية والدعم النفسي، وتستجيب للاحتياجات الناشئة بين السكان في التجمعات البدوية بمسافر يطّا. كما تعمل فرق العيادات المتنقلة على تقديم الرعاية الصحية الأساسية والدعم النفسي للأشخاص المتضررين من هجمات المستوطنين، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن. هذا وتقدّم الفرق الدعم للفلسطينيين الذين أُجبروا على النزوح بسبب عنف المستوطنين وهدم المنازل.

ومع ذلك، لا يزال الوصول إلى المجتمعات المتضررة محدودًا بشدة بسبب تصاعد المخاوف الأمنية. فإلى جانب الخوف المستمر من هجمات المستوطنين الإسرائيليين، ساهمت الحواجز العسكرية الإسرائيلية والحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا بين "إسرائيل" وإيران في زيادة هشاشة الوضع الأمني. وقد أبلغت الفرق الميدانية عن تأخيرات في الاستجابة وإغلاق طرق وارتفاع الاحتياجات في مختلف مناطق الضفة الغربية.

وتختتم مديرة الشؤون الإنسانية في الخليل، فريدريكه فان دونغن حديثها قائلة، "يأتي التصعيد الأخير في وتيرة وحدة اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي في سياق سياسة ممنهجة تهدف إلى التهجير القسري والضمّ، ويجب أن يوضع حد لها. ف"إسرائيل"، بصفتها قوة احتلال، مُلزمة بحماية السكان الفلسطينيين. ومع ذلك، تسهّل القوات الإسرائيلية هذه الاعتداءات، أو تشارك فيها بشكل مباشر. لقد وقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي لفترة طويلة، وقد آن الأوان لاتخاذ خطوات لممارسة ضغوط سياسية واقتصادية فعلية على السلطات الإسرائيلية لوقف هذه الممارسات التي تدفع عمدًا بالفلسطينيين إلى خارج أراضيهم".