اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة في المشرق العربي، وتنامي الهواجس الأمنية الناتجة عن التداخل الإقليمي و"الفراغات السيادية" في بعض دول الجوار، وفي زمن تتكاثر فيه التحديات الأمنية والاقتصادية في لبنان، وتتصاعد فيه الضغوط على المؤسسات الرسمية، لا سيما المؤسسة العسكرية، يبرز التعويل اللبناني على المساعدات العسكرية الأردنية كرسالة استراتيجية متعددة الأبعاد، تتجاوز الطابع اللوجستي والدعم التقني، لتلامس عمق الحسابات الإقليمية والدولية في المنطقة.

فالمملكة الأردنية، بخبرتها الطويلة في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، تدرك أن استقرار لبنان ليس مجرد شأن داخلي، بل ركيزة من ركائز التوازن الأمني في المشرق العربي. من هنا، يأتي الدعم الأردني في توقيت حساس، ليؤكد على أولوية منع انهيار المؤسسة العسكرية اللبنانية، والحفاظ على تماسكها كصمام أمان وطني في وجه التفكك والفراغ، مع ما تعكسه هذه السياسة الأردنية من رؤية واقعية بأن ترك لبنان وحيدا في مواجهة أزماته، يفتح الباب أمام مزيد من التغلغل الإقليمي غير المتوازن، وبالتالي تهديد الاستقرار الحدودي والجغرافي المتداخل بين بيروت وعمّان، على ما اشار الملك عبدالله الثاني، خلال احتفال تخريج دورة في مجال مكافحة الارهاب، ضمت متدربين لبنانيين.

فالمساعدات الأردنية التي قدمت، وإن كانت محدودة الكم، حملت في طياتها دلالات سياسية واضحة: دعم للدولة اللبنانية، تشجيع المؤسسات الشرعية، ومنع الانزلاق نحو الفوضى، كجزء من "هندسة امنية"  اميركية أوسع في الشرق الاوسط، تسعى إلى إعادة صياغة خطوط الدفاع في منطقة يتقاطع فيها الأمن بالسياسة، وتُكتب فيها التحالفات بلغة الضرورات لا الشعارات، حيث اختارت واشنطن المملكة كقاعدة اساسية للتدريبات السنوية المشتركة لعدد من الجيوش العربية والاطلسية ، تحت اشراف "القيادة المركزية الاميركية"، والتي عرفت "بالاسد المتأهب"، حيث شارك لبنان دون انقطاع عبر سرايا من قواته الخاصة.

انطلاقا من ذلك، وعلى خطى سلفه، قرر قائد الجيش العماد رودولف هيكل ان تكون زيارته العربية الاولى الى الاردن، املا في الحصول على مساعدات اضافية، تساعد في تعزيز قدرات الجيش للقيام بمهامه على الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية، فضلا عن بحث ملف التعاون الامني في ظل تداخل الملفات: اولا على الصعيد السوري، وثانيا فلسطينيا، خصوصا بعد اكتشاف خلية "الاخوان" اخيرا وارتباطها بمجوعة لحماس، تتخذ من لبنان مقرا لها.

مصادر مواكبة للعلاقات الامنية والعسكرية بين البلدين، كشفت ان الاردن يعتبر "بلدا ثالثا" للمساعدات، حيث تمر عبره مساعدات اميركية اساسية، كالهبات التي قدمها للبنان حازت على موافقة مسبقة من الكونغرس الاميركي لينقلها الى بيروت.  وبالتالي، في ظل تراجع برامج الدعم والمساعدات الاميركي المباشرة، وفقا لما تبينه الموازنة الاميركية، تعتبر المملكة احد المصادر الاساسية.

وتضيف المصادر ان التعاون الامني بين البلدين في اللحظة الحالية، يعتبر من اولويات الاهتمام الاميركي، فعمان تملك خبرة طويلة في مجال مكافحة الارهاب، كما انها تملك نفوذا استخباراتيا كبيرا، يمتد من وسط العراق الى الشمال السوري والجنوب، وهي مناطق تغلغل التطرف الاسلامي السني، كما انها تمسك بالملف الفلسطيني والمخيمات داخل المملكة وفي الشتات، حيث تعتبر المخابرات الاردنية من ابرز الاجهزة الناشطة في المخيمات الفلسطينية في لبنان.

وحول نتائج زيارة قائد الجيش كشفت المصادر ان مشاوراته ركزت حول سبل تعزيز التعاون العسكري، حيث كان بحث مستفيض في مجالات التدريب والتجهيز، وتبادل الخبرات بين الجيش اللبناني ونظيره الأردني، كما بحث ملف المساعدات العسكرية، وإمكانية تنسيق أو زيادة الدعم الأردني للجيش اللبناني، خصوصا في مجال اللوجستيات والمعدات الخفيفة، على اعتبار ان باقي انواع المساعدات بحاجة الى موافقة مسبقة من الجانب الاميركي. كما تم تبادل وجهات النظر حول الوضع الأمني على الحدود، ومواجهة تهديدات الإرهاب أو تهريب الأسلحة، والاتفاق على تعزيز التعاون والتنسيق بين جهازي المخابرات في البلدين.

وتوقفت المصادر عند اشارة لافتة حملتها الزيارة، تمثلت في عدم لقائه بالملك عبد الله خلافا لما كان يحصل سابقا، حيث اعتاد الملك على لقاء قادة الجيش اللبناني خلال زياراتهم لعمان، خاتمة بالقول، بهذا المعنى يمكن اعتبار المساعدات العسكرية الأردنية رافعة استراتيجية لا تقل أهمية عن الدعم المالي أو السياسي، لأنها تؤسس لشراكة أمنية طويلة الأمد، تتقاطع فيها الضرورات الأمنية مع الرؤية العربية الجامعة لمفهوم الأمن القومي المشترك.

الأكثر قراءة

ما خفي من كلام براك... فضحته "عشاواته"