اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تلعب الأوعية الدموية دورا حيويا في تنظيم حرارة الجسم وضمان توازن وظائفه الحيوية. ومع تغيّر درجات الحرارة المحيطة، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، تستجيب الأوعية الدموية بمجموعة من التكيّفات الفسيولوجية، التي تساعد الجسم على التكيّف مع الظروف الجديدة. إلا أن هذه التغيرات لا تمرّ دون تأثير، إذ يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات صحية لدى بعض الأفراد، خاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل قلبية أو دورانية.

عندما ترتفع درجات الحرارة، كما هو الحال في أيام الصيف الحارة أو أثناء التعرّض المباشر لأشعة الشمس، تعمل الأوعية الدموية السطحية على التوسّع، وهي عملية تُعرف بـ"تمدد الأوعية الدموية المحيطية". هذا التوسّع يسمح بزيادة تدفق الدم إلى سطح الجلد، مما يسهل عملية التبريد من خلال التعرق وتبخّر العرق. ورغم أن هذه الآلية مفيدة في الحفاظ على حرارة الجسم، فإنها قد تؤدي إلى انخفاض ضغط الدم، خصوصا عند الوقوف المفاجئ، وهو ما يُعرف بـ"الهبوط الانتصابي". كما أن زيادة تدفق الدم إلى الجلد قد تُجهد القلب، خاصة عند الأشخاص المصابين بأمراض قلبية مزمنة.

من ناحية أخرى، عند انخفاض درجات الحرارة كما في الشتاء أو خلال التعرّض للهواء البارد، تستجيب الأوعية الدموية بانقباضها لتقليل فقدان الحرارة من سطح الجلد. تُعرف هذه العملية بـ"تقبض الأوعية الدموية المحيطية"، وهي آلية دفاعية لحماية الأعضاء الحيوية من البرد الشديد. إلا أن هذا التقبّض قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم نتيجة ازدياد مقاومة تدفق الدم، ما يُشكّل خطرا على المصابين بارتفاع الضغط المزمن أو بأمراض الشرايين التاجية. كما أن برودة الطقس قد تزيد من لزوجة الدم، مما يرفع من احتمال تكوّن الجلطات الدموية.

تجدر الإشارة إلى أن الفئات الأكثر تأثرا بهذه التغيرات هم كبار السن، ومرضى القلب، والمصابون بالسكري، حيث تضعف لديهم قدرة الأوعية الدموية على التكيّف مع التغيّرات المفاجئة. كما يمكن أن تُساهم التغيرات الحرارية الحادة في زيادة خطر السكتات الدماغية أو النوبات القلبية، خاصة في حال عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

وللوقاية من هذه التأثيرات، يشدّد الأطباء وخبراء الصحة على أهمية اتباع مجموعة من التدابير الوقائية، التي تضمن حماية الأوعية الدموية من الإجهاد الناتج عن تقلّبات درجات الحرارة. في الطقس البارد، يُنصح بارتداء طبقات متعددة من الملابس الدافئة التي تغطي الأطراف كاليدين والقدمين، حيث تُعدّ من أكثر المناطق عرضة لفقدان الحرارة. كما يجب الحرص على ارتداء القبعات والقفازات لتقليل تعرّض الرأس واليدين للبرد، مما يقلل من حاجة الجسم لتقليص الأوعية الدموية.

أما في الأجواء الحارة، فيُفضل ارتداء ملابس قطنية خفيفة وفضفاضة بألوان فاتحة، والابتعاد عن التعرض المباشر لأشعة الشمس لفترات طويلة، خصوصا في ساعات الذروة. كذلك يُعد شرب الماء بانتظام من أهم الوسائل للحفاظ على توازن السوائل في الجسم ومنع جفاف الأوعية الدموية، مما يساهم في الحفاظ على لزوجة الدم ضمن المعدلات الطبيعية ويقلل من خطر التجلطات.

بالإضافة إلى ذلك، يُوصى بمراقبة ضغط الدم بشكل منتظم، خاصة عند أولئك الذين لديهم تاريخ مرضي مع ارتفاع الضغط أو انخفاضه، حيث يُمكن لتغيرات الحرارة أن تُحدث تقلبات مفاجئة تؤثر سلبا على استقرار الدورة الدموية. وتزداد أهمية هذه الخطوة في فصلَي الصيف والشتاء نظرا للتغيرات البيئية المتطرّفة فيهما.

في الختام، فإن تغيّرات درجات الحرارة لا تُعدّ مجرد تحوّلات موسمية عابرة، بل هي عوامل بيئية مؤثرة بشكل مباشر على صحة الإنسان، وبالأخص على جهازه الدوري. وفهم طبيعة هذه التأثيرات، واتخاذ الإجراءات المناسبة للوقاية منها، يُعتبر خطوة حيوية في حماية الجسم من المضاعفات، والحفاظ على توازنه واستقراره في مختلف الظروف المناخية.

الأكثر قراءة

جلسة بلا ثنائي؟ علامات استفهام تسبق اجتماع الحكومة لبنان مقبل على تطورات ميدانية خطيرة يصعب تجاهلها تحركات شعبية مرشّحة للتصاعد... وحرص على تفادي الصدام بين الجيش والمتظاهرين