اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعد مرض السكري أحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا وتأثيرًا في صحة الإنسان، حيث لا يقتصر ضرره على ارتفاع مستوى السكر في الدم فحسب، بل يمتد ليشمل أعضاء حيوية عديدة، أبرزها القلب والشرايين. ويكمن خطره في أنه قد يتطور بصمت لسنوات طويلة، مما يتيح المجال لحدوث مضاعفات خطرة قبل اكتشافه أو السيطرة عليه.

من أبرز آليات تأثير السكري في القلب والشرايين أن ارتفاع مستوى السكر في الدم بشكل مستمر يؤدي إلى تلف جدران الأوعية الدموية الصغيرة والكبيرة على حد سواء. فعلى المدى الطويل، يتسبب هذا التلف بفقدان الأوعية لمرونتها، وتراكم الترسبات الدهنية في جدرانها، وهي الحالة المعروفة بتصلب الشرايين. هذه العملية ترفع من احتمالية حدوث انسدادات جزئية أو كاملة في الشرايين، مما يقلل من تدفق الدم إلى القلب، وبالتالي يزيد خطر الإصابة بالذبحة الصدرية أو النوبة القلبية.

إضافة إلى ذلك، يُسهم السكري في زيادة مقاومة الجسم للأنسولين، الأمر الذي يرتبط غالبًا بارتفاع ضغط الدم وزيادة مستويات الكوليسترول الضار (LDL) وانخفاض الكوليسترول النافع (HDL). هذه العوامل مجتمعة تُعرف باسم "متلازمة التمثيل الغذائي"، وهي بيئة مثالية لتسريع تدهور صحة القلب والأوعية الدموية. كما أن مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة باعتلال عضلة القلب، وهي حالة يفقد فيها القلب قدرته على ضخ الدم بكفاءة، حتى في غياب انسداد واضح بالشرايين التاجية.

ولا يقف التأثير عند هذا الحد، فالسكري يمكن أن يؤثر أيضًا في الأوعية الدقيقة التي تغذي عضلة القلب، وهي أوعية لا يمكن اكتشاف انسدادها بسهولة عبر الفحوصات التقليدية. هذا النقص في التروية الدموية الدقيقة قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ "اعتلال القلب الصامت"، حيث يتعرض المريض لمشكلات قلبية خطرة دون ظهور أعراض إنذارية واضحة.

إن السيطرة على مرض السكري تمثل الخطوة الأكثر أهمية وفعالية في الوقاية من المضاعفات القلبية والوعائية المحتملة. ويشمل ذلك أولاً الحفاظ على مستوى سكر الدم ضمن النطاق المستهدف، سواء عبر الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب أو من خلال تعديل نمط الحياة. فإدارة مستويات الغلوكوز بشكل منتظم تقلل من تلف الأوعية الدموية الصغيرة والكبيرة، وتحد من تراكم الترسبات الدهنية التي تؤدي إلى تصلب الشرايين والنوبات القلبية.

إضافة إلى ذلك، يؤدي ضبط ضغط الدم ومستويات الدهون في الدم دورًا محوريًا في حماية القلب والشرايين. فارتفاع ضغط الدم أو الكوليسترول الضار يزيد من الضغط على جدران الشرايين ويزيد من خطر انسدادها، بينما يساعد الحفاظ على مستوى الكوليسترول النافع في حماية الأوعية الدموية وتقليل احتمالية حدوث الجلطات. لذلك، يُنصح مرضى السكري باتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضراوات، والفواكه، والحبوب الكاملة، والبروتينات الصحية، مع تقليل السكريات والدهون المشبعة والملح.

كما يُعد النشاط البدني المنتظم جزءًا لا يتجزأ من الوقاية. فممارسة الرياضة تساعد على تحسين حساسية الجسم للأنسولين، وتقليل الوزن الزائد، وتعزيز الدورة الدموية، ما ينعكس إيجابًا على صحة القلب والأوعية الدموية. ومن الضروري أيضًا تجنب التدخين والحد من استهلاك الكحول، نظرًا الى تأثيرهما السلبي المباشر في صحة الشرايين وزيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب.

بالإضافة إلى ذلك، يُنصح مرضى السكري بالخضوع لفحوصات دورية للقلب والشرايين، تشمل اختبارات ضغط الدم، وتحليل الدهون، وفحص وظائف القلب بالأشعة أو تخطيط كهربائية القلب، للكشف المبكر عن أي تغيرات أو علامات تدل على وجود مشكلات قلبية قبل تطورها إلى مضاعفات خطرة. كما يمكن للطبيب وصف فحوصات إضافية وفقًا لحالة كل مريض، ما يتيح التدخل الطبي المبكر وتقليل المخاطر.

الأكثر قراءة

صفا في بعبدا ورحال في عين التينة... طبخة بين «الاستاذ» و«العماد»؟ لقاءات براك ــ أورتاغوس الاسرائيلية «سلبية» والجواب الرسمي السبت السلاح الفلسطيني الى الواجهة: ضغط أم تهدئة أم توريط للدولة؟