اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

زيارة لبعض الصحف الباريسية الكبرى. هنا يمكن للمحللين، بالملاءة الثقافية، أن يقرؤوا المشهد الشرق أوسطي من زوايا آخرى قد تكون أكثر شفافية، وان كان الكثيرون يظهرون الانحياز الميكانيكي، ان بالسليقة أو بالتبعية، لذلك الغرب القديم بالقيم الاستعمارية الرثة.

قراءتان متباعدتان لاتفاق بكين ولتداعياته. الأولى ترى «عودة الوعي الى الشرق الذي تجسدت فيه الرؤيا الالهية» ، كما لو أنه التماهي مع النظرية الماورائية لهنري كيسنجر، وحيث الصراع في الشرق الأوسط بين نصف الله والنصف الآخر. استطراداً، ما جرى محاولة «جبارة» للحد من الاستقطاب الأميركي، وارساء قواعد للتوازن في العلاقات مع القوى العظمى.

هذا على أمل أن تحذو القارة العجوز حذو الرياض وطهران، وعبر القاطرتين الفرنسية والألمانية، وتخرج من الحظيرة الأميركية، دون أن يعني ذلك في حال من الأحوال، ادارة الظهر للضفة الأخرى من الأطلسي.

تذكير بـ «ما يغفله الأميركيون من أن أمبراطوريتهم صـناعة أوروبية، وقد يكون من عجائب التاريخ أن تتحول القارة الى صنيعة أميركية. ربما أفادنا ذلك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن آن الأوان لاعادة تشكيل العالم بذهنية أخرى، واكثر ادراكاً لجدلية الأزمنة»!

القراءة الأخرى سوداوية أو تقليدية، وتعتبر أن التاريخ شاخ كثيراً، وفقد الحد الأدنى من القدرة على صناعة التغيير. في نظر اصحاب هذه القراءة أن الطريق بين الرياض وطهران، وكانت دوماً مرصوفة بالاشواك، لا بد أن تحيط بها الشكوك للتناقض في المصالح (وفي الرؤى) الجيوسياسية والجيوستراتيجية.

يضاف الى ذلك، الاختلاف في المفاهيم بين الانفتاح السعودي، بازالة أي اثر للايديولوجيا في النظرة، وأيضاً في التعامل مع القرن والانغلاق الايراني، حيث يعتقد آيات الله أنه كلما ازدادت الايديولوجيا تجهماً ازداد النظام مناعة. هنا لا سبيل لتسويق اللوثة الأمبراطورية الا بالعربة الايديولوجية.

في رأيهم أيضاً، أن التوافق السعودي ـ الايراني لا بد أن ينكسر في نقطة ما، اذا أخذ بالاعتبار ذلك الركام من الأزمات على مدى أربعة عقود من الصدام.

هؤلاء فاجاهم تفاؤلي، وأنا اللبناني الآتي من الجحيم، العائد الى الجحيم. يكاد كلامهم يشير الى أن الزمن في المنطقة مات منذ ألف عام. احياؤه بات مستحيلاً بسبب صراع الأمبراطوريات على الثروات، كما على المرافئ ...

مقاربات شتى للحالة الاسرائيلية. الرأي الغالب أن فلسفة القوة، وفق النموذج الاسبارطي فلسفة عمياء، ولا بد أن تزعزع الدولة العبرية من الداخل. في هذه النقطة بالذات يتفق السعوديون والايرانيون. لا حرب، بل انتظار التفكك المنهجي في «اسرائيل».

في القراءتين ان تداعيات الاتفاق السعودي ـ الايراني لا بد أن تصطدم بـ «غابة الأنانيات» في لبنان. أوليغارشيا معقدة هي عبارة عن كوكتيل عجيب من التوتاليتاريات، والى الحد الذي يوحي بوجود تواطؤ مبرمج بين أركان الأوليغارشيا، وحيث تلاحظ التعبئة الغرائزية لدى كل الطوائف.

كيف لدومينو التسويات أن يصل الى قلب الأزمات في لبنان، ما دامت ثقافة اللادولة تحكم العقل السياسي والعقل الطائفي، في بلد تمتلك النخبة فيه، وقد تبعثر الكثير من أفرادها على أرصفة الأمم، كل الامكانات للعودة به كمركز للاشعاع في أرجاء المنطقة.

القراءتان تتفقان على أن تأثير الطبقة الحاكمة في لبنان لا بد أن يتلاشى تدريجاً، مع الاقتناع بأن الوضع اللبناني المشتت لا يمكن أن ينتظم الا بوجود وصاية، أو وصايات عليه. كوندومينيوم سعودي ـ ايراني؟

هل يقبل الأميركيون والاسرائيليون بذلك، بعدما كانوا يراهنون على «الباكسا أميركانا»، وحتى «الباكسا اسرائيليانا» لادارة الشرق الأوسط؟

لا يتصور أصحاب القراءتين، وان رأوا في لبنان الضائع في صراع الهويات، ضرورة حضارية، بوجود حلول أبدية للأزمة اللبنانية. اعتدنا التسويات العرجاء  والسياسات العرجاء ... 

الأكثر قراءة

آخر ابتكارات حلفاء «إسرائيل» للضغط على لبنان: حرب شاملة بعد رفح... وعقوبات ؟! سيجورنيه سيتبلّغ التمسّك «بوحدة الساحات»...وجيش الإحتلال غير جاهز للحرب الدولة تزداد تحلّلا والشلل يتمدّد... «النفاق» السياسي يُطيّر الإنتخابات البلديّة