اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

"سمفونية الأقدار" للكاتب ربيع دهام، الصدارة عام 2022 عن دار أبعاد في بيروت، يقدّم لنا فيها كاتبها مزيجًا بين ما قد يكون سيرة وما قد يكون مجموعة من الخواطر، وما قد يكون سيناريو لعمل مسرحيّ، وفي ختامه يقدّمه لنا بوصفه عملًا روائيًّا وهي الرواية الثانية للكاتب، الشاعر أيضًا، بعد "وردة مليتا".

يحاول الكاتب أن يقدّم لنا شخصياته من خلال ما تقوله أكثر مما يقدّمها لنا من خلال ما تفعله، وهنا يأتي الحوار ليطغى أحيانًا على صفحات الرواية، وفي أثناء السرد، نجد الكاتب المتحمّس ليُطلِع المتلقّي على أفكاره المتزاحمة، يُثقل نصّه والسردية فيه بالكثير من الأفكار والحِكم والحكايات، التي تصبّ أحيانًا في مصلحة الحوار القائم حول ما يخالج أنفس الشخصيات من اهتمامات ومشكلات وصراعات فكرية ونفسية وغيرها.

هي قصّة آدم، الذي يقدّم نفسه منذ بداية الرواية، ومعه تدخل شخصيات أخرى كصديقته شهد، التي تدور معها الحوارات بمعظمها، وتأتي قمر بجمالها واهتماماتها لتدخل على الخطّ، ومعها نجد ليلى أحيانًا وسعيد بشكل خاطف، كل تلك الشخصيات تؤدّي أدوارًا مختلفة تصبّ في مصبّ واحد يريده الكاتب من نصّه، وهو أن يجعل آدم، المثقّف المحبّ للكتب والعزلة، يعبّر عن أفكاره وخيالاته ومواقفه.

يطرح الكاتب قضايا عديدة، ومنها قضايا الوطن وهمومه وحروبه وخرابه المستمر، ويطرح أسئلة حول الأسباب ويحاول الإجابة من أجل إيجاد الحلول من خلال شخصياته، وهو في خلال ذلك، يلجأ إلى التاريخ والرمز والأسطورة، لينهل منها من أجل إبداء الرأي حول تلك القضايا.

رمزية الورد وعلاقته بشخصية قمر، الحائرة داخل دوامات صراعاتها الفكرية هي الأبرز في هذا النص، فنجد الزهور على مختلف أنواعها تدخل من حين إلى آخر لتدلّنا على المرحلة التي وصلت إليها قمر، التي رفضت الهجرة مع أهلها لتبقى في بلدها وتختار موضوعات أفلامها من واقعه ومن أزماته، فتكون الورود هي الملجأ الأساسيّ حين تتحكّ الحيرة والارتباك والصراع بين أفكارها ومشاعرها، لتدلّها أحيانًا إلى القرار الذي عليها اتخاذه.

الجدير بالذكر هنا لغة الكاتب المتينة، الجذلة، التي لا يشوبها تعقيد أو أخطاء، الكاتب الذي يعيش في أفريقيا ويبقى همّ الوطن هو الأساس بالنسبة إليه، وتبقى اللغة التي قد تفقد قيمتها عند الكثيرين همًّا لديه أيضًا، فنجد أنه أعطاها الكثير فظلّت قوية متينة عندما احتاج إليها وقد قرّر الكتابة، شعرًا ونثرًا.

هنالك بعض المآخذ على الرواية لا بدّ من ذكرها، أهمها إقحام المعلومات حول الكتب والكتّاب خلال الحوارات من دون هدف سوى التباهي بمعرفتها، فلو أنّ الكاتب اتّخذ كتابًا أو اثنين واعتمد أفكارهما لدعم الحوار وما يحصل بين الشخصيات لكان اللجوء إليها أقيَم وأعمق. المأخذ الثاني هو اللجوء إلى الحكايات الأسطورية والتاريخية وإعطاؤها مساحات واسعة خلال النصّ، فلو أنّ الكاتب ذكَر الفكرة وترك للمتلقّي مسألة البحث، لما كان قد أثقل السرد بتلك الحكايات، ولكان أفسح في المجال أمام القارئ للبحث والمشاركة.

أما المأخذ الأساسيّ، فهو برأيي ما يقع فيه كثير من الشعراء عندما يريدون كتابة الرواية، فتسيطر على لغتهم لغة الشعر بصُوَرِه ورموزه والمشاعر التي يريدها الشاعر عادة أن تكون مُشبَعة وقوية، على حساب لغة السرد ، فجاءت اللغة في هذا النصّ، والتي كما سبق وذُكِر في المقال بأنّ الكاتب يمتلكها وهي مطواعة بين يديه، مُثقلة بالصور البيانية بالتشابيه والاستعارات والكنايات، وهو ما يحتاجه الشعر، وتحتاج اليه الخاطرة، ولكن كان الأجدى أن يبتعد عنه السرد.

ربيع دهام كاتب مثقّف، صاحب همّ وطنيّ وثقافيّ، يحمله أينما توجّه وأينما حلّ، ومهما كانت قوالب الكتابة التي يريد الكتابة من خلالها، وهذا ما يعطي قيمة لا تجدها عند الكثيرين، لكلّ ما يكتب.


الأكثر قراءة

خاص "الديار": أول عملية استشهادية في الخيام ومعارك عنيفة مستمرة