اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لقد بات معلوماً أن الأميركي يخوض الحرب بمركزيتها وجبهات إسنادها على أساس أنها وجودية، وأيضاً الإسرائيلي كما أعلن من بداية عدوانه على غزة، إلا أنه الذي يبقى لافتاً رغم تكراره واعتياده منذ زمن، ما بات يُعرَف بأنظمة التطبيع العربي التي تخوض الحرب الى جانبهما وتَعرف أنها وجودية أيضاً، وكأن المصير واحد، خاصة بعد النموذج الذي قدّمته عندما حاصر اليمني "إسرائيل" في باب المندب، فقامت أنظمة التطبيع بالتعويض لها من طريق بَري، انطلاقاً من الخليج مروراً بالأردن وصولاً الى الكيان، وهذا ما يؤكد البُعد الثالث للصراع في مواجهة المقاومة.

هذا الموقف كان من بداية العدوان واستمر على هذا النحو عند كل محطة ومرحلة من مراحله، كما أنه ترافق مع الاعتراض العلني للمخطَّط الإسرائيلي والاستنكار لجرائمه، تماماً كما يفعل الأميركي بادعاءاته الإنسانية، فـواشنطن و "تل أبيب" متفقتان على الإبادة والإجرام واستمرار الحرب، وبخاصة أن "إسرائيل" بكل إجرامها وعنصريتها هي جزء من الكل الأميركي وبعض اثاره على الإنسانية والعالم، فهذا التغيّر في الموقف وادعاء القلق على المدنيين في غزة، تريد أميركا من خلاله امتصاص النقمة لكيلا تفتح أبواب خصومها، وخصوصا أن العالم اليوم بات يقرأ كيف تتعامل أميركا مع الدول ومع هذا النوع من القضايا، فهي تريد أن تمتص هذا الجو العالمي بخطابها في الحرب.

من هنا يمكن رؤية مصداقية البيانات العربية أنها هي نفسها مصداقية البيانات الأميركية، ما يعني أن مقدار الحرص الأميركي على سلامة الفلسطينيين، هو نفسه مقدار حرص الأنظمة العربية الرسمية عليها، لذا يمكن القول إن الإسرائيلي يقتل الشعب الفلسطيني في غزة بعمق استراتيجي أميركي غربي عربي، فـلو كان هناك حد أدنى من الممانعة والرفض عند النظام العربي الرسمي، ولو كان هناك حد أدنى من إدراك المخاطر والمصالح، لكان الموقف مختلفاً تماماً، فالحقيقة هي أنها كما تريد أميركا و "إسرائيل" أن يتخلصا من القضية الفلسطينية، كذلك النظام العربي الرسمي يريد أن يتخلص منها وبأي شكل كان، وكأن مصيرهم مرتبط بهذا الكيان.

هذا من منظور هذه الأنظمة أما في الواقع فإن ازدياد المخاطر على وجود الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية سيزيد المخاطر في كل المنطقة، يعني ستتجه المنطقة أكثر نحو التأزم والتصادم الذي لن يكون مضبوط منطقياً، لأن الجميع من المفروض أنهم يدركون طبيعة هذا الصراع.

عدم الإدراك دفعهم الى الاستمرار بالأداء في المفاوضات، حيث ان هناك ما هو ظاهر وهناك ما هو خفي، فتحاول الدول الوسيطة إظهار حرصها على مصلحة الشعب الفلسطيني ورفض المخططات الإسرائيلية والأميركية والإعلان عن اتخاذ بعض الإجراءات، ربما لمراعاة الرأي العام العربي والإسلامي، لكن في الواقع هم يريدون إلغاء دور المقاومة بشكل عام وحماس بشكل خاص، لا بل هُم أشد على حركات المقاومة في المنطقة لأنهم يريدون التخلّص منها لأنهم يَعتبرونها عائقاً أمام مصالحهم من جهة، ومن جهة أخرى لأنهم بعيدون عن الواقع، على عكس الأميركي الذي يفهم جيداً أن كسر المقاومة ليس سهلاً رغم أنه يهدف ويخطِّط للوصول الى هذه النتيجة.

دائماً لدى واشنطن نظرة أبعد وأهداف أكبر، فهي ترى بعودة التقارب السُني الشيعي "الشعبي" في العالم العربي والتفافه حول غزة، والتي عملت عقداً كاملاً من أجل إشعال الفتنة بينهما، خطراً بالنسبة لها، باعتبار هذا اختصاصها وليس اختصاص "إسرائيل"، كما عملت عقوداً على تذويب القضية الفلسطينية في وجدان الناس وعلى أن يتخلّى الشباب العربي والجيل الجديد عن هذه القضية التي تعود اليوم بقوة، وبعودتها يكمن الفشل الأميركي، ورغم أنها تُدرك ما حصل، إلا أن ذلك لن يؤثر بالنسبة لها في الحرب العسكرية، لأنها تعرف أيضاً أن هناك مخاطر أكبر لا بدّ من خوضها لضمان الهدف العام الذي إذا فشلت به ستَدفع أثماناً أكبر، هنا تكمن أهمية ما تفعله المقاومة، حيث انها تمنع تحقيق الهدف الأساسي للأميركي والإسرائيلي، والهدف المساعد لدول التطبيع بإدخال اليأس الى العقل العربي مجدَّداً، لأن ذلك سيُبنى عليه مستقبل مختلف بعد طوفان الأقصى...

الأكثر قراءة

اكثر من حجمه