اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

اذا عقدت القمة بين بشار الأسد ورجب طيب اردوغان في بغداد، فهذا هو المكان المثالي، هنا حوض الفرات، وكم جمعت الأنهار وكم فرّقت عبر الأزمنة. سوريا والعراق هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تتاخمان تركيا التي تعاني من المشكلة الكردية (المشكلة المستحيلة) في الداخل، كما عبر حدود البلدين.

في الوقت نفسه، من الغرابة بمكان أن تكون بغداد هي التي تجمع الرئيسين السوري والتركي، مع أن عاصمة الأمويين وعاصمة العباسيين ظلتا في صراع دائم، وكثيراً ما كان الصراع الدموي. حتى حين التقتا تحت راية حزب واحد (حزب البعث).

الصراع تحوّل من صراع سياسي أو من صراع تاريخي، الى صراع ايديولوجي (مع مأزق البعد الفلسفي في هذه الايديولوجيا)، لتجري مقارنة العلاقة بين دمشق وبغداد بالعلاقة بين موسكو وبكين تحت الراية الحمراء. جون فوستر دالاس الذي أطلق عام 1957 "مبدأ ايزنهاور" لملء الفراغ في الشرق الأوسط، هو صاحب دعوة اقامة "جدار جهنم" بين سوريا والعراق.

ابان انعقاد مؤتمر فيينا (1815) لاعادة صياغة العلاقات والخرائط الأوروبية، عقب الحقبة البونابرتية، قال المستشار النمساوي كليمنت ميترنيخ "اغلقوا النوافذ باحكام كيلا يصل الينا عواء التاريخ". عواء الذئاب أم عواء الأباطرة؟

التاريخ في المنطقة كما الايديولوجيا، ثقيل جداً ومرهق جداً. لا يدفعنا الى الأمام بل يجرنا الى الوراء. الايديولوجيا تستعيض عن لغة المداخن بلغة الكهوف. هذه هي مصيبتنا في الشرق الأوسط. غيبوبة الغيب...!

نعرف حتى بالتفصيل أي بيت ترعرع فيه الرئيس السوري. اختار التخصص في طب العيون حيث لا تلامس اصابعه أي نقطة دم. الرئيس التركي الذي كان يصفه بـ "أخي العزيز" أغرق سوريا كلها بالدم. لحظة مثيرة تلك التي يصافح فيها بشار الأسد رجب طيب اردوغان.

هذا الأخير الذي بـ "ثقافة الغباء" ظن أن باستطاعته توظيف الصراعات الجيوسياسية، وحتى الصراعات القبلية، لاعادة احياء السلطنة، فاته أن الغرب كله والشرق كله يقفان ضد تلك السلطنة، التي أبقت العرب داخل الثلاجة لنحو أربعة قرون.

الآن، تركيا تتدهور اقتصادياً. الرجل الذي توّجه الاقتصاد "الباب العالي" قد يقع ضحية الاقتصاد، باعتبار أن باستطاعة الولايات المتحدة دفع هذا الاقتصاد، أنّى شاءت، الى القاع. بالتالي دفع اردوغان الى القاع اذا التقى الأسد. ولكن، ألا يقول الأتراك ان من انقذوا اردوغان من "الانقلاب الأميركي" عام 2016، هم الايرانيون والروس، وهم الذين يحاولون حمايته اذا حاول الأميركيون ازالته، خصوصاً مع التراجع الدراماتيكي في الوهج الشعبي لحزب العدالة والتنمية، وهذا ما أظهرته الانتخابات البلدية كمؤشر على نهاية الرجل.

ويبقى اردوغان الشخصية التي تحيط بها علامات الاستفهام. من يدري أين يضع هذا الرجل قدميه، بل وأين يضع رأسه؟ حيناً على باب البيت الأبيض، وحيناً على باب الكرملين. الرقص في عنق الزجاجة أم الرقص في قعر الزجاجة؟ كيف للأسد أن يأمن له قبل أن يتعهد بالخروج من الأراضي السورية، مع الاستعداد للتفاهم حول صيغة تعاقدية لصيانة أمن البلدين على نحو متواز ومتوازن؟

لا مجال للبراثن العثمانية أن تنهش في سوريا الجريحة، التي تتعرض لأعتى حصار في التاريخ، من أجل ارغام الأسد على تحويل دمشق الى ضاحية لأورشليم. وما رفضه الأسد الأب، لا يمكن أن يقبله الأسد الابن. الاثنان يجسدان الروح السورية بالعنفوان الوطني والقومي.

المصالح السورية والتركية تتقاطع الآن، وأكثر من أي وقت مضى. الأميركيون بين أزمة الداخل وأزمة الخارج. "اسرائيل" الدولة المجنونة تحولت الى دولة عمياء.

في بدايات الأزمة السورية، قال فلاديمير بوتين "من دمشق ينبثق النظام الدولي الجديد". هل ينبثق من بغداد، بعلاقاتها الوثيقة مع ايران ومع السعودية، النظام الاقليمي الجديد؟

اردوغان يراهن على زيارة يقوم بها الرئيس الروسي لبلاده، على أن يقتنع الرئيس السوري بعقد القمة الثلاثية على ضفاف الدردنيل، هذا لن يحصل. القمة على ضفاف بردى أو على ضفاف دجلة، ولكن بشروط دمشق لا بشروط الاستانة...

الأكثر قراءة

الكمّاشة المالية الدولية تحاصر لبنان... ماذا ينتظر البلاد؟ هل يتمّ الإفراج عن سلامة غداً؟