اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا يتوقف حدود تأثير التغيّر المناخي على حدوث كوارث طبيعية كالفيضانات والجفاف والأعاصير والعواصف، بل يتعدّاها ليكون سببا في نشر الأمراض المعدية، سواء عبر هذه الكوارث أو من دونها، ومن جملة هذه الأمراض المذكورة في الكثير الدراسات والأبحاث: حمّى الضنك، الملاريا، الأمراض المنقولة بالقراد، أنواع الليشمانيا، إيبولا.

وفي هذا الشأن، يجمع علماء المناخ والبيئة على أنّ تغير المناخ هو التهديد الوجودي الأكبر اليوم لكوكب الأرض، بخاصة في ظلّ تفاقمه بوتيرة سريعة ومخيفة اليوم، وهناك أدلة علمية قوية تربط بين تغيّر المناخ وبين تفشي الأمراض المعدية. فقد كشف تحليل حديث نشر هذا العام، أنّ من بين 375 مرضا معديا يصيب البشر، يمكن أن يتفاقم 218 (58 %) بسبب المخاطر المناخية.

وحدّد التقرير الذي نشره موقع "ذو كنفرسيشن"، ثلاثة أسباب رئيسية تجعل تغير المناخ قد يؤدي إلى تفاقم الأمراض المعدية وهي: أنماط هطل الأمطار والفيضانات والهجرة السكانية.

المناخ يغيّر الأنظمة البيئيّة

وحول آلية حدوث ذلك، أكّد أستاذ المناخ في الجامعة اللبنانية، ورئيس دائرة المناخ في الأرصاد الجوية الدكتور طارق سلهب لـ "الديار"، على وجود علاقة قويّة بين الأمراض والمناخ، انطلاقا من الدور المحوري الذي يؤديه التغيّر المناخي في إعادة توزيع أنواع الأمراض، فهو يغيّر معه كلّ النظام البيئي الموجود. فالمناخ الذي ينتقل من استوائي الى صحراوي ومن قطبي الى حارّ (في حالة التطرّف المناخي)، تنتقل معه الأنظمة البيئية المتواجدة لتتأقلم مع المناخ الحديث أو الجديد.

وإذ أوضح أنّنا نشهد في العالم اليوم تغيّرات مناخية بسبب الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي، ومصادره الانسان بفعل الثورة الصناعية واستهلاك الوقود الأحفوري والاستخدامات المنزلية، جزم أنّ المشكلة تتفاقم بشكل بطيء، بحيث تعمل الملوّثات الموجودة في الجو على رفع درجة حرارة الغلاف الجوي ما يؤثر في الأنظمة البيئية، فإذا كان الإقليم المناخي مثلا يتضمّن مطرا غزيرا فإنّه سيخف تلقائيًا، كما يمكن أن تتحول المنطقة الأكثر جفافا إلى منطقة شبه جافة، ولاحقا إلى معتدلة وربّما استوائية فيما بعد.

الأمراض المنقولة

ومما لا شكّ فيه، ان الكائنات الحيّة من بشر وحيوانات تجبر على النزوح بسبب التغيّر المناخي، سواء لما يسبّبه من كوارث طبيعية أو بسبب الجفاف، على سبيل المثال لا الحصر ما ينقل معهم الكثير من الفيروسات أو الأمراض، والتي يتفاقم وجودها أكثر في ظلّ غياب الرعاية الطبية.

وبحسب سلهب، فإنّ كلّ تغيّر مناخي يغيّر معه الأنظمة، ومن أهم التغييرات هي الأمراض المنقولة، التي تختلف بين المنطقة الإستوائية وبين المعتدلة الباردة أو المعتدلة الحارّة وبين القطبية، لافتا إلى أنّ المناخ يلعب دورا أساسيا من خلال المنخفضات الجويّة، ونظام الرياح الذي يهبّ على هذه المناطق لنقل هذه الأمراض. فمثلا ينقل الغبار عبر الصحاري الجراثيم من منطقة الى أخرى، ما يؤدّي الى أمراض جديدة تصيب المنطقة التي تدخل عليها الرياح المحملة بغبار ملوّث، فتؤدي إلى حدوث أمراض جديدة أبرزها الأمراض الصدرية عبر تنشّق الجراثيم التي تنقل عبر الهواء، ما يؤدي الى التهاب الصدر والرئتين مثلا.

وأوضح أنّ التغيّر من إقليم مناخي إلى آخر، يؤدّي إلى انتقال الأمراض من بيئة حاضنة لها إلى بيئة تنتشر فيها الأمراض، فمثلا إذا كان هناك أمراض ثابتة موجودة في الصحاري الافريقية انتقلت عبر الهواء إلى مناطق معتدلة باردة أو معتدلة دافئة، سيصبح تنشّق كمية الملوّثات أكبر في الأخيرة، لأنّ الجسم يحتاج الى وقت ليتعوّد الحرارة التي دخلته، فتخفّ مناعته، الأمر الذي يسمح بأن تستحكم به الأمراض، وتتفاعل به الجراثيم والفيروسات الموجودة في الجو. ذلك أنّ الفيروسات أو الجراثيم، كفيروس "كورونا" مهما تطورت، يبقى الأساس هو في مستوى مناعة جسم الانسان، كيلا يصيبه الفيروس بقوة ويؤثر فيه، فيمرّ كأيّ "كريب" عادي، مشدّدا على أنّ المناخ يؤدي دورا كبيرا في نقل الأمراض وإعادة توزيعها، ولكن مدى تفاعل هذه الأمراض بالبيئة الحاضنة يرتبط بالمناعة المكتسبة لدى الإنسان، والنبات والأشجار وأي عنصر آخر في هذه البيئة.

أضاف أنّ المرض ينقل مع تغيّر الطقس أي تغيّر الحرارة ( كتلة حارة أو باردة)، مثل "الإنفلونزا" التي تنتقل من منطقة إلى أخرى بواسطة الرياح أثناء المنخفضات الجوية في الشتاء خاصة، بحيث يؤدّي التغيّر في الطقس الى إعادة تأقلم الجسم مع هذه الحرارة الجديدة فيكون ضعيفا، وبهذه الحالة فإنّ أي فيروس منقول في الهواء، يمكن أن يصيبه ويسبب له فورا الالتهابات بخاصة في الروايا والصدر أو العيون.

ما علاقة الفيضانات بالأمراض المعدية؟

وعن علاقة الفيضانات بالأمراض المعدية، شرح سلهب أنّ التطرّف المناخي يؤدي دورا في نقل الأمراض. فعند حدوث فيضان، ستفقد أنابيب الصرف الصحي القدرة على تصريف كلّ كمية المياه، ويمكن أن تنفجر فتختلط عندها مياه الصرف الصحي مع المياه النظيفة، وتنقل البكتيريا والفيروسات في المياه وتؤدي الى إصابة الناس بالملاريا والتيفوئيد وغيرها من الأمراض، كذلك يؤثر التغيّر في الإقليم المناخي، كأن ينتقل المناخ من معتدل الحرارة إلى حرارة ورطوبة عالية، ما ينشّط عملية ولادة الذباب الذي ينقل أمراض تؤدي الى الوفاة أحيانا، كما يحصل في المناطق الاستوائية عبر ذبابة" تسي تسي"  التي تنقل مرض الملاريا، كما أنّ هناك بعض أنواع الذباب والبعوض يكون حاملا للجراثيم، وينقلها من أماكن متّسخة ومريضة إلى الإنسان فيصاب بالمرض.

هل المناخ وحده السبب؟

لا يعتبر سلهب أنّ المناخ مسؤول عن كلّ الأمراض ولكن عن أغلبيتها، خاصة تلك المباشرة مع الانسان الذي مهما حرص على نظافته الشخصية ونظافة بيئته، لا يمكنه التحكّم بكمية أو نوعية الهواء التي تدخل أو كمية الأشعة الشمسية، وأشار إلى أنّ للمناخ دورا في أمراض الصيف منها "ضربة الشمس". كما أنّ كمية الطاقة التي تعطيها الشمس ونوعيتها يمكن أن تؤدي الى تنشيط أمراض سرطان الجلد، لافتا هنا إلى أنّ الانسان يستطيع حماية نفسه من هذه الأمراض، من خلال اللباس المناسب وعدم التعرّض لهذه العناصر المناخية، لا سيما الحرارة، كما يمكنه أن يؤقلم نفسه من خلال استخدام "مكيف"  للتبريد في وقت الغبار، وعدم التعرض للشمس لوقت طويل، وتعويض ما فقده من خلال تبخّر المياه من الجلد بشرب المياه.

نصائح أخرى

يبقى الأهم برأي سلهب، هو تعزيز المناعة و اعتماد الغذاء الصحي والوقاية، واتباع الارشادات التي تصدر عن مراكز الرصد الجوي، وأخذ موضوع التحذيرات بجدية، لا سيما أثناء تغيّر الطقس، كي يعرف الانسان كيف يحمي نفسه خلال موجة حارة أو مغبرة، محذّرًا من التعرّض المطوّل لأشعة الشمس، ومن التعرّض لرياح ملوثة لوقت كبير جدا، خاصة في الأنفاق حيث لا توجد تهوئة. وأبرز المؤشرات على تلوث الهواء هناك، هو البدء بالسعال عند دخول النفق نظرا لكمية الفيروسات التي نتنشّقها.


الشمس في عزّ طاقتها اليوم
وختم سلهب بالإشارة إلى أنّ هذه السنة من أحرّ السنوات، ونشهد تغيّرات داخل الغلاف الجوي من خلال تأثير الرياح الشمسية الحارّة. فالشمس اليوم بأوج تفاعلاتها، وتصدر رياحا شمسية كبيرة تؤدّي إلى رفع حرارة الغلاف الجوي، وقد حلّ الصيف بطريقة مرتفعة جدّا، وثبت هذا الإرتفاع من خلال معدّل درجات الحرارة هذا الشهر، والذي يزيد نحو 3 درجات عن معدل السنة الماضية، وهذا دليل على أهمية وتأثير غلاف الفضاء على الغلاف الجوي، وأهمّه الرياح الشمسية التي تعطينا الدفء وتؤثر على قطاع الإتصالات، وعلى الأقمار الاصطناعية وعلى الغلاف الجوي من حيث ارتفاعه، ولكنه طمأن أنّ هذه الحالة طبيعية.

خلاصة القول... أصبح التغيّر المناخي الشماعة التي تُعلًّق عليها كلّ مشاكل الكوكب، البيئية والصحية والإقتصادية وسواها الكثير، ولكن هذا التغيّر سببه الإنسان، وتحديدا الدول الكبرى الملّوِّثة، والتي لا تزال تمعن خرابا وخللا في توازن الكوكب الطبيعي، من خلال أنشطتها الصناعية وأطماعها اللانهائيّة. على أنّ كل إنسان لا يحافظ على البيئة متّهم أيضا مثلها، إنّما -في مكان ما- لا بدّ من حالة طوارئ عالمية فوريّة ، تنقذ ما تبقى من الكوكب قبل هلاكه بالكوارث وأوبئتها!

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين