اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ربما تكون هذه الموازنة أعدت على غير هدى ، أو أنها أتت من جهل أو مجهول ، وبالتالي فهي ستذهب بالبلاد إما الى الردى أو الى المجهول .

"سبحان من قهر عباده بالموت والفناء " ، لله وحده سبحانه الحق في قهر العباد ولكن بالموت فقط وليس بالتعذيب والإذلال هذا فضلاً عن أن للموت فلسفته وأسبابه .

ولكن في لبنان ، هناك من البشر من نصب نفسه إلهاً وأجاز لنفسه قهر عباد الله بالعطش والجوع والصحة والسكن والأمان والسلام ، هم البشر الذين تولوا السلطة وصلاحيات الحكم فأقدموا على قتل الناس ببطئ وأهدروا الطاقات ، طاقات المواطن وكفاءاته مما أفقد اللبناني كرامته ... أليس القهر هو الغلبة أي الأخذ من فوق ... أو التسلط ، نعم هو كذلك . المنظومة السياسية تقهر مواطنيها بقوتها وجبروتها وسلطانها، المتفلتة من أي قيد دستوري أو قانوني أو أخلاقي ... إنهم ينتهكون حقوق الإنسان ويمارسون إرهاب الدولة ... أوليس الإرهاب هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه وعقله ودمه وماله وعرضه ( بحسب المجمع الفقهي الإسلامي في اجتماعه الذي عقد في 10/1/2002 ).

إن الإثبات على ما تقترفه المنظومة الحاكمة من أعمال قهر لا إنسانية لا يحتاج الى جهد ، فبمجرد قراءة أرقام مشروع موازنة العام 2025 والمقارنة مع موازنتي 2022 و2024 يتبين حجم الجريمة التي تنوي الحكومة إرتكابها بحق الشعب اللبناني عن قصد أو غير قصد ، عن جهل أو غير جهل.

أولاً : أرقام الموازنة / مليار ل.ل

من خلال المقارنة بين موازنة العامين 2022 و2024 مع موازنة العام 2025/ مليار ل.ل يتبين ما يلي :

- الزيادة في إجمالي الموازنة : 119.260 مليار ل.ل وبنسبة 39% عن عام 2024 و386.821 مليار عن عام 2022 وبنسبة 946% .

- الزيادة في الجزء الأول أي النفقات الإستهلاكية (الإنفاق الجاري ): 109.309 مليار ل.ل وبنسبة 40% عن عام 2024 و348.100 مليار عن عام 2022 وبنسبة 923% .

- الزيادة في الجزء الثاني أي نفقات التجهيز والإنشاء ( البنى التحتية ): 9.950 مليار ل.ل وبنسبة 32% عن عام 2024 و38.721 مليار عن عام 2022 وبنسبة 1223% .

- الزيادة في الواردات العادية أي الضرائب والرسوم وحاصلات أملاك الدولة ومن المؤسسات العامة والإستقراض أي الدين العام: 101.693 مليار ل.ل وبنسبة 33% عن عام 2024 و380.142 مليار عن عام 2022 وبنسبة 1268% .

- الزيادة في الواردات الإستثنائية أي العجز : 17.567 مليار ل.ل عن العام 2024 وبنسبة 100% و6.677 مليار عن العام 2022 وبنسبة 61% .

وهكذا يتبين أن السلطة قد عادت الى سياسة الإستدانة التي كانت في أساس الإنهيار الشامل في البلاد ، إذ نصت المادة الخامسة من مشروع الموازنة الى الإجازة للحكومة إصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية لآجال قصيرة ومتوسطة وطويلة بقرارات تصدر عن وزير المالية لتمويل إستحقاقات أصل الديون وفي إنفاق الإعتمادات المدورة من سنوات سابقة والإعتمادات الإضافية ، وهذا يعني عودة السلطة الحاكمة الى الإستدانة لتمويل العجز فقط وعدم سداد الدين العام .

وعليه فإن الوحيد الثابت هو أن المنظومة السياسية المالية الحاكمة مستمرة في تنفيذ سياسة التمويل بالتضخم وإفقار الشعب وتجويعه والدفع الى القعر السحيق للإنهيار الشامل والكامل للبلاد والعباد .

ثانياً : توزيع النفقات العامة

إن الموازنات العامة للدولة اللبنانية منذ العام 1993 وحتى الآن لم تكن إلا مجرد بيانات مالية تتضمن نفقات الدولة ووارداتها فقط ، زيادة في الإنفاق وتزايد في الضرائب ، ولم تكن لها أي أهداف تنموية بل كانت تقتصر على ثلاثة بنود رئيسية هي نفقات الرواتب والأجور والكهرباء وفوائد الدين العام التي تراوحت بين 38 و42% من مجموع الإنفاق الحكومي ، وكانت النفقات الجارية أي الإستهلاكية تعادل 93% في حين لم يبلغ الإنفاق الإستثماري ( البنى التحتية ) الـ 7% .

إن موازنة العام 2025 لم تخرج عن هذا المسار ، بل أنها من أسوأ الموازنات على الإطلاق كسابقتها 2024 لأنها تعد في خضم أزمة إقتصادية مالية نقدية معيشية لم يسبق أن شهدها لبنان ، ومشروع هذه الموازنة جاء لتوسيع وتعميق هذا الإنهيار .

فقد خصصت لإعتمادات الإنشاء والتجهيز أي النفقات الإستثمارية في البنى التحتية حوالي 42 ألف مليار ما يعادل 10% من إجمالي موازنة العام 2025 وتتضمن نفقات الإستملاكات والتجهيزات والإنشاءات والصيانة.

أما إعتمادات قوانين البرامج والمقدرة بـ 1103 مليار ل.ل ومنها تجهيزات لصالح الجيش ومقدرة بـ 440 مليار ل.ل فقد تم ترحبلها من 2021 الى 2026 ضمناً وأسقطت بالتالي إعتماداتها كافة .

وتبين مما تقدم بأن الحكومة ليس لديها نية لتأمين الخدمات الأساسية للمواطن من مياه وكهرباء ومواصلات وإتصالات وطرق ومبان حكومية ، وهذا يعني أنها تركت على المواطن عبء تأمين هذه الخدمات من ماله الخاص بالإضافة الى تدفيعه رسوم هذه الخدمات شبه المعدومة . وبذلك تفرض الحكومة أحوال معيشية بائسة من بينها الحرمان من الحصول على الطعام أو الدواء بقصد إجبار المواطنين على العيش في ظروف سنؤدي حتماً الى البؤس والفقر حيث بلغت نسبة الفقراء وفقاً لمعايير تعدد الفقر الى 78.7% ، وهذه الأعمال اللاإنسانية تقوم بها حكومة يفترض بها تأمين الرفاهية والسلامة لشعبها .

أما لناحية النفقات الجارية فقد قدرت بـ 90% من إجمالي الموازنة وبلغت حوالي 386 ألف مليار ل.ل

يتبين مما تقدم بأن نفقات موظفي القطاع العام قد بلغت حوالي 53% من إجمالي الموازنة 59% من الإنفاق الجاري ، إلا أنها من ناحية القدرة الشرائية مقيمة بالدولار تساوي حوالي 2.539 مليار $ فقط وهي تساوي 37% فقط من القدرة الشرائية للرواتب عام 2019 عندما كان سعر الصرف 1507.5 .

وبالرغم من الحجم الضخم لكتلة الرواتب والأجور في القطاع العام بالعملة الوطنية إلا أنه ليس من شأن ذلك إعادة تسيير الإدارات العامة بسبب فقدان القدرة الشرائية للرواتب والأجور نتيجة إنخفاض سعر الصرف والتضخم في أسعار السلع والخدمات . هذا فضلاً عن أن مشروع الموازنة لا يتضمن بنودا إدارية إصلاحية ، علماً بأن الحكومات لم تطبق أي من الإصلاحات الإدارية التي نصت عليها الموازنات السابقة فيما يتعلق بالمسح الوظيفي وملء الشواغر وتصنيف الوظائف وتصفية الفائض وخاصة غير الشرعي منه .

ومن المفارقات الغريبة أن الحكومة خصصت للإنفاق الإستثماري 42 ألف مليار في حين خصصت لفوائد الدين العام 32 ألف مليار بالرغم من أنها أعلنت ومنذ آذار 2020 عن عجزها عن تسديد أصل الدين العام وخدمته بالعملتين الوطنية والأجنبية ، ولم تتضمن هذه الموازنة أي نص يتعلق بمسألة الدين العام الذي كان أساس الإنهيار المالي والنقدي .

أما وفقاً للتصنيف الوظيفي ، فقد قدرت النفقات كما يلي ( ألف مليار ل.ل ) :

البنود 2024 2025

القيمة النسبة القيمة النسبة

السلطات العامة والخدمات العامة 66.06 21.40% 103.57 24.22%

الدفاع 39.27 12.74% 51.83 12.12%

التنظيم والأمن العام 23.65 7.67% 31.66 7.4%

الشؤون الإقتصادية 32.43 10.51% 46.86 10.96%

حماية البيئة 1.51 0.48% 1.56 0.36%

الإسكان والمرافق المجتمعية 2.93 0.95% 2.08 0.49%

الصحة 40.63 13.17% 38.24 8.94%

الأديان والثقافة والترفيه 2.05 0.66% 2.61 0.61%

التعليم 17.27 5.6% 36.55 8.55%

الحماية الإجتماعية 82.63 26.70% 112.7 26.35%

(من ضمنها معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة) 24.59

المجموع 308.43 100% 427.695 100%

ويلاحظ من الجدول أعلاه إنخفاض نسبة الإنفاق على الصحة التي بلغت 8.94 % بدلاً من 13.17% في سنة 2024 ، والإنفاق على التعليم 8.54% بينما كان في السنوات السابقة حوالي 8.7% ، وهذا يعني أن أهم شأنين إجتماعيين هما الصحة والتعليم ويمسان حياة كل المواطنين ولا سيما الفقراء والمعوزين وأصحاب الدخل المحدود لا يتجاوز 17.48%، مما يعني أن المنظومة السياسية المالية الحاكمة تتعمد جعل المواطن بدون علم أو صحة أو في مستويات متدنية جداً ، وهذا يعتبر من الأفعال اللإنسانية وذات طابع عام شامل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية للإنسان في لبنان .

أما فيما يتعلق بالواردات المقدرة في مشروع موازنة العام 2025 فهي إيرادات الضرائب والرسوم وإيرادات غير ضريبية من حاصلات إدارات ومؤسسات عامة وأملاك الدولة العامة والخاصة ومن القروض ( الدين العام ) وقد بلغت الإيرادات الضريبية 326 ألف مليار ل.ل ونسبتها 76% وبلغت الإيرادات غير الضريبية 84 ألف مليار ونسبتها 20% ، أما القروض فقد بلغت 18 ألف مليار ونسبتها 4% . ويتبين مما تقدم ، بأن المنظومة الحاكمة اعتمدت لتمويل نفقات الدولة على الزيادة المفرطة في الضرائب والرسوم غير المرتكزة على زيادة النمو الإقتصادي وإرتفاع حجم الناتج المحلي بل بالعكس من ذلك كان الناتج المحلي تراجع من 53 مليار $ عام 2019 الى حوالي 18 مليار د.أ أي نسبة الثلثين وفقاً لتقدير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتراجعت القدرة الشرائية لليرة اللبنانية بمعدل 98.5% وبالتالي القدرة الشرائية لمداخيل معظم اللبنانيين ويعاني الآن لبنان من تضخم انكماشي في الإقتصاد حيث أن ارتفاع الأسعار لم يكن ناتجاً عن زيادة الطلب.

جدول تفصيلي للضرائب والرسوم الأكثر أهمية والزيادات المفرطة

المقترحة بين موازنة 2022 و2024 ومشروع موازنة العام 2025 :

نوع الضريبة ( مليار ل.ل ) 2022 2024 2025 الفرق النسبة

أولاً : الضرائب المباشرة

الضريبة على الأرباح 4265 16811 29054 12243 73%

الضريبة على الرواتب 1128 431 8488 8057 1869%

الضريبة على دخل رؤوس الأموال المنقولة 359 1068 3876 2813 265%

الضريبة على الفوائد 1643 2993 1440 1553- 53-%

الضريبة على الأملاك المبنية 250 1114 2733 1020 145%

الضريبة على التركات 164 4947 6585 1638 33%

الرسوم العقارية 1061 30000 20155 9845- 33-%

المجموع 1 8563 57364 72331 14967 26.09%

ثانياً : الضرائب غير المباشرة

الضريبة على القيمة المضافة 5577 101000 140039 39039 39%

الرسوم الجمركية 1594 32854 37343 4489 14%

رسوم أخرى على التجارة 13341 13341 100%

الرسوم على المواد الملتهبة 568 5705 2681 2889- -52%

الرسوم على المشروبات الروحية 24 3327 674 2653- -80%

رسوم التبغ 155 6231 7819 1588 25%

رسوم الإستهلاك على السيارات 156 4221 6235 2014 48%

رسوم على السيارات 360 5630 5697 67 1%

رسوم المغادرة 1108 14263 13024 1239- 9-%

رسم الطابع المالي 789 11253 11830 577 5%

المجموع 2 10331 180128 238683 58.555 32.50%

نوع الضريبة ( مليار ل.ل) 2022 2024 2025 الفرق النسبة

ثالثاً : حاصلات مؤسسات وأملاك الدولة

أرباح إدارة حصر التبغ 222 339 13933 13593 4010%

إيرادات كازينو لبنان 321 3200 3350 150 5%

إيرادات مطار بيروت 1551 7135 6162 973- -14%

رسوم المطارات 1550 5013 11402 6389 127%

مرفأ بيروت 1178 13481 5403 8078- -60%

الإتصالات 4479 23996 36933 12949 54%

تسوية الأملاك البحرية 52 2550 2685 135 5%

رسوم إدارية 511 774 6182 5408 700%

رسوم إجازات 194 4728 3927 800- -17%

رسوم الجامعة اللبنانية 20 924 904 4520%

إيرادات رئاسة الموانئ 429 2396 1967 459%

إيرادات مصرف لبنان 0

المجموع 3 9353 56162 93297 37135 66.12%

مجموع الضرائب والرسوم غير المباشرة 19684 236290 331980 95690 40.5%

يتبين من الجداول أعلاه بأن الزيادة في الضرائب المباشرة المقترحة في العام 2025 عن العام 2022 تساوي 63.768 مليار ونسبتها 745% ، أما الزيادة في الضرائب غير المباشرة المقترحة للعام 2025 عن العام 2022 تساوي 312.296 مليار ونسبتها 1587% .

يتبين مما تقدم بأن الزيادة في الضرائب غير المباشرة التي تنوي السلطة تحميلها للبنانيين تساوي 155.23% الزيادة في الضرائب المباشرة علماً بأن الضرائب غير المباشرة تشكل العبء الأكبر على ميزانيات الأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل بينما الضرائب المباشرة يتحمل عبئها على العموم الطبقات الغنية والميسورة، إذ تمثل الضرائب المباشرة حوالي 17.63% فقط من إيرادات الموازنة العامة والضرائب غير المباشرة تشكل 82.37% علماً بأن الضرائب على الرواتب تعتبر من الضرائب المباشرة وهي تطال في الحقيقة فئة من الموظفين والمستخدمين أصبحوا من الفئات على خط الفقر، وبذلك تكون السلطة قد لجأت الى تحميل الفئات الفقيرة نسبة أعلى من الضرائب عما هو عليه في سنة 2024.

إن الضرائب المقترحة سوف تؤدي حتماً الى إنهيار العدالة الضريبية وتفاقم التفاوت بين فئات وطبقات المجتمع، وستنتهي الى عدم إستقرار إجتماعي يليه عدم إستقرار سياسي وهذا يقود البلاد الى الفوضى. إن ما تُقدم عليه السلطة الحاكمة لا يعدو أن يكون إلا أعمالاً لا إنسانية بحق شعبها يعاقب عليه القانون .

وبالختام نقول ، إن مشروع موازنة العام 2025 يشكل بالقدرة الشرائية وعلى أساس سعر صيرفة 89500 حوالي 4779 مليون دولار ما يعادل 27% فقط من موازنة العام 2019 سنة بدء الإنهيار، وهذا الحجم لن يستطيع إنقاذ البلاد من إنهيارها بالرغم من كل وحشيته ولا إنسانيته في فرض الضرائب على الشعب المسحوق، إن هذه الموازنة ما هي إلا موازنة قهر وإذلال وإفقار للإنسان اللبناني تمارسه المنظومة السياسية الحاكمة بعهر وفجور.

امين صالح

الرئيس السابق لنقابة المحاسبين المجازين

الأكثر قراءة

إذا قرّر حزب الله وقف النار