اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ما هي سياقات الصراع وفي أي مرحلة نحن اليوم على طريق هذا الصراع الممتد منذ قيام هذا الكيان الاستيطاني اليهودي الاجرامي الحاقد في فلسطين، ما هي الآفاق المستقبلية ومسارات الأحداث؟

لا شك، أن أدبيات الصراع وقراءاته التاريخية تمثل ترسانة هائلة موثقة في كتب وتحليلات ودراسات ومناظرات ومقابلات وندوات ومحاضرات وورش عمل وحوارات ونقاشات لم تهدأ يوما، وقد طبعت هذا الجزء من تاريخنا بطابعها الفكري والعقائدي والأيديولوجي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري والاستراتيجي.

ذلك أن مآلات الصراع وتحدياته وأحداثه على مدى عقود حكمت الواقع الحياتي لمجتمعنا وأمتنا وبلادنا في دولنا وكياناتنا السياسية وفي كل المجالات.

وقد كانت ومازالت (مآلات الصراع هذه) تؤثر تأثيرا مباشرا وغير مباشر على وجودنا القومي وعلى تماسك نسيجنا الشعبي وعلى الاستقرار والنمو والتنمية في بلادنا نظرا لخطورتها وشموليتها وعمق استهدافاتها للبنية التحتية لمجتمعنا وعوامل تطوره على كل المستويات.

لماذا هذه المقدمة؟ ما هو الجديد في المقاربات الحديثة لواقع الصراع؟

في مراحل تاريخية معينة، وخاصة في العقود الأخيرة، طفت على السطح أطروحات تسويقية للقبول بالواقع، والتهليل لسلام مزعوم مع هذا الكيان.

واقعاً، هذه الأطروحات سلكت الى عقول البعض من كافة فئات المجتمع، وتكونت عند هذا البعض قناعة مستجدة بامكان التعايش مع الكيان المزروع في قلب وطننا ومنطقتنا في هذا الجزء من العالم، ولعل جملة من الأسباب أدت في لحظة معينة الى الترويج لهذه المقولات تحت عناوين مختلفة، ومما ساعد على ذلك تداخلات محلية واقليمية ودولية وادارات صراع وسلوكيات أساءت للمسألة الفلسطينية ووظفتها في مشاريع سلطة وصرف نفوذ في العالم العربي خدمة لمصالح جزئية لا علاقة لها بفلسطين مما أدى الى أزمة ثقة على مستويات عدة شوهت مسيرة الكفاح التحريري ضد هذا العدو الوجودي بكل المقاييس.

على هذه الخلفية المترجرجة والمأزومة بالتناقضات حول رؤية الصراع سلكت مسارات تفاوضية على المستويات الرسمية (أنظمة ودول... الخ)، فكان مؤتمر مدريد برعاية دولية أميركية-روسية، وكانت رهانات على امكانية احتواء هذا الصراع التاريخي الممتد بشكل خاص منذ قيام الكيان الغاصب في فلسطين عام 1948، وطبعا سبقت كل ذلك اتفاقيات كامب دايفيد وشعارات الدولتين على حدود العام 1967 وغيرها من طروحات ما يسمى "السلام العادل والشامل" (هذه الأكذوبة التي لا تستند الى أية شرعة حقوقية لا دولية ولا َمحلية ولا ترتكز طبعا الى أي معطى أخلاقي أو انساني أو تاريخي أو حضاري).

اذاً، كان هناك رهان على مسارات تفاوضية تستطيع احتواء هذا الصراع التاريخي من خلال اتفاقيات ثنائية مع هذا الكيان، فكان اتفاق أوسلو واتفاقيات وادي عربة وغيرها من الاتفاقيات معه في سياقات زمنية مختلفة.

هنا يبرز سؤال مهم حول "ماذا حققت هذه الاتفاقيات؟ وما هي نتائج هذه المسارات التفاوضية وعلى كل المستويات؟".

لا شك، أن رصد كل هذه المسارات يوصل الى خلاصات واضحة حول عقم الرهانات على هذه المسارات وما أنتجته من اتفاقيات لم تؤدي واقعاً الا الى المزيد من التقدم للمشروع الصهيوني الاستيطاني-الاستعماري، حيث حقق هذا المشروع من خلال المفاوضات ومع توقيع العديد من الدول العديد من المعاهدات مكتسبات للكيان الاستيطاني لم تتحقق في الحروب.

ما حققه الكيان بالسلم، لم يحققه في الحروب، هذا اضافة الى هامشية مضامين هذه الاتفاقيات التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به.

منذ أوسلو وخلال كل العمليات التفاوضية مع هذا العدو توسع الكيان بالاستيطان، واستمرت سياسة القضم والتهجير والاقتلاع الممنهج للسكان الأصليين من أراضيهم وقراهم ومدنهم ودساكرهم بما يفوق بمرات ما حققه هذا الكيان من توسع خلال كل حروبه.

اذاً، يبدو واضحاً وبالدليل والبرهان عقم كل هذه الخيارات التي لا أفق لها كنتيجة طبيعية لبنية وطبيعة الكيان التوسعية الاستيطانية ونتيجة العقيدة العنصرية التي قامت في الأساس عليها.

ما هي اذاً السياقات المستقبلية لهذا الصراع؟

وما هي التحديات المطروحة؟

لقد كشف طوفان الأقصى الكثير من المسائل وأعاد المسألة الفلسطينية الى دائرة الضوء وأعاد طرحها انطلاقاً من طبيعتها وارتكازاً على خصوصيتها في كونها "حرب وجود" بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وهذا يفترض مقاربة شاملة عميقة وفي ذات الوقت واقعية لكيفية المواجهة في ظل ظرف داخلي محلي، قومي، عربي ودولي، يشهد فيه عالمنا اعادة صياغة لتوازنات جديدة لم تستقر بعد، اذا المقاربة الحقيقية لا بد لها أن تأخذ كل هذه العوامل بعين الاعتبار.

السؤال الأساسي المطروح اليوم: ماذا بعد؟ ما هي الخيارات؟ ما هي الاستراتيجية وما علاقتها بتكتيكات المرحلة؟

ان القاء نظرة واقعية على مجمل المشهد يبين وجود نقاط قوة وأيضاً وجود نقاط ضعف في عملية المواجهة وكل ذلك يرتبط بعدة عوامل بعضها داخلي وبعضها الأخر خارجي، بعضها مرتبط بالتوازنات العسكرية وبعضها الأخر بواقع مجتمعنا وأزماته البنيوية الاجتماعية والاقتصادية والسوسيولوجية والتي يعود جزء أساسي منها الى غياب الهوية الوطنية والقومية الواحدة، وهشاشة البنية الاجتماعية وغياب الوعي القومي الجامع لحقيقة الأخطار المحدقة من كل حدب وصوب.

خلاصات من "طوفان الاقصى" الى "حرب الاسناد"...

أي نقاش بخصوص طوفان الأقصى حول التوقيت والفعل والتأثير مشروع طالما أنه ينطلق من فهم حقيقة الصراع مع هذا الكيان الاجرامي والاستيطاني والالغائي، لذا لا بد من ايراد النقاط التالية:

1- لقد أعاد "طوفان الأقصى" تفعيل الصورة الحقيقية لطبيعة الصراع الوجودي في مركز الوعي لانساننا، وكذلك أعاد تظهير صورة هذا الصراع على مستوى العالم وفي قلب وعي الشعوب حول العالم وقد ظهر بوضوح هذا الوعي في تحركات الشعوب حول العالم وفي حراكات على مستوى الطلاب والجامعات في عواصم القرار العالمي، وهذا سيعطي نتائج ومفاعيل جادة ولكن على المستويين المتوسط والبعيد المدى.

2- رغم الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب الفلسطيني نتيجة الهمجية الصهيونية اليهودية، الا أن وعياً جديدا تم تفعيله في وجدان شعبنا سواء في فلسطين أو في محيطها القومي أن الصراع المستقبلي يساوي حرب وجود حقيقية وعلى كل المستويات.

3- نسف "طوفان الأقصى" على مستوى تداعياته ونتائجه كل هذا المسار التطبيعي الذي عملت عليه قوى اقليمية ودولية.

4- ، لعل ردة فعل الكيان على طوفان الأقصى في همجيتها ووحشيتها فضحت عالمياً طبيعته العدوانية ودمرت كل هذه الصورة حول ديمقراطية الكيان ومقولة اعتباره واحة ديمقراطية وسط بيئة متخلفة (بين هلالين) لطالما حاولت ماكينات الاعلام الصهيوني تسويقها عن الكيان حول العالم، وتداعيات هذا الانكشاف عالمياً ستترك آثارها عاجلاً أم آجلاً على مستوى دوائر القرار العالمي باتجاه فهم أعمق لطبيعة الكيان الصهيوني وما يمثله من خطر ليس فقط على السلام الاقليمي بل العالمي أيضاً.

5- بدأ نقاش واسع على مستوى العالم، في السر وفي العلن، في دوائر القرار العالمي وفي الوجدان الشعبي للشعوب حول ما يقوم به "الكيان الغاصب" ومدى شرعيته وتناسبه مع القانون الدولي وشرائع حقوق الانسان ومفاهيم العدالة الانسانية.

6- بدأ نقاش عميق حول جدوى كيان سياسي - عسكري يحتاج بشكل مستمر ودائم الى الدعم الدولي سواء من جانب الولايات المتحدة أو الغرب عموماً، وبدأ طرح الأسئلة حول دَوره ووظيفته في حماية المصالح الاستعمارية في بلادنا وفي هذه المنطقة من العالم.

7- بموازاة كل ذلك، أعاد باحثون ومراكز دراسات وأبحاث خاصة في الولايات المتحدة الأميركية طرح أسئلة حول مدى وعمق الاختراق الذي تمثله الحركة الصهيونية ومؤسساتها لعمق البنى السياسية والاقتصادية والمالية والاعلامية حول العالم بما بات يتناقض مع مصالح هذه الشعوب ويستنزفها خدمةً لأغراضه في الهيمنة وعقلية الاخضاع.

أما التحديات يمكن اختصارها بالتالي:

على المدى المتوسط والبعيد:

التحدي الأول: هو تحدي بناء القدرات المادية (العسكرية بشكل خاص)، وهذا التحدي صعب ودونه عقبات، ولكنه يبقى ماثلاً في العقل والذهن، وهو على مستويات مختلفة:

المستوى الأول: مستوى الدول في البيئة القومية الطبيعية أي سوريا الطبيعية وهو ما يتعلق مباشرة ببناء الجيوش النظامية وتحقيق تكامل حقيقي في ما بينها انطلاقاً من الواقع الجيو-استراتيجي، هذا التحدي مرتبط بتحقيق تحَولات في الوعي القومي داخل كيانات سايكس - بيكو باتجاه التوكيد على ضرورة التكامل والتنسيق العسكري بين جيوشها وتوحيد العقيدة القتالية لهذه الجيوش في مواجهة الكيان الاستيطاني التوسعي وتعزيز القدرات التسليحية لهذه الجيوش.

واقعاَ، هذا المستوى لا يمكن تأمينه في المدى القريب، وفي ظل الانقسامات وحالات التشظي خاصة في لبنان والشام.

المستوى الثاني: هو تفعيل حركات المقاومة على كل الصعد، وتعميق الوعي بضرورتها وتوسيع قاعدتها على قاعدة وطنية وقومية بما يؤمن تأمين حاضنة شعبية لها ذات طابع وطني عابر للطوائف والمذاهب.

المستوى الثالث: ايلاء مسائل الاصلاح السياسي والاجتماعي أهمية قصوى بما يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمجتمعنا وبما يرسخ مفهوم المواطنة ويعزز الهوية والوحدة الوطنية والقومية، ويقوي صمودنا في وجه كل المشاريع الخارجية.

على المدى القريب:

التحدي الأول: قدرة المقاومة على مواجهة العدوان الصهيوني والصمود في المواجهة البرية وتعزيز قدراتها في منع أي توغل أو احتلال اسرائيلي بما يعزز فرص تحقيق وقف اطلاق نار سواء في لبنان أو في غزة دون التفريط بها، كمقاومة شعبية تشكل الضمانة الوحيدة للدفاع عن الوجود في المرحلة القادمة.