اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

عندما كنت أقرأ أوراق النعي التي كتبها الأصدقاء والرفقاء، كنت أقول انه تسرّع ليس في محله لأنني شخصيا لا أصدق رواية العدو ليس في موضوع السنوار بل في أي موضوع آخر.

أما وقد نعته حركة حماس فقد صار الخبر حقيقة.

كثر هم الرجال الذين يسعون للمجد، كثر هم الرجال الذين يسعون لاقتناص الفُرَص.

قلة هم الرجال الذين يسعى المجد اليهم، قلة هم الرجال الذين تسعى الفُرَص لتكون من نصيبهم.

لم يكن يظن أحد ان القائد  يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يرابط  على الجبهة كما يرابط المقاتلون، وينتقل من متراس الى متراس كما يفعل المقاتلون، كنا نعتقد انه في النفق الأعمق والأطول، في النفق الخُلدي «الخُلد» الذي يُعد متاهة من المتاهات التي يصعب على العقل فك رموزها. وعندما سمعنا انه استشهد في موقع متقدم قلنا انها واحدة من أكاذيب هذا العدو وواحدة من إشاعاته.

استشهد السنوار مشتبكا مع العدو في الخطوط الأمامية، ليس لقلّة في العدد او العديد، ولا استعجالا لنيل شرف الشهادة، بل هو أعلى مراتب القيادة القدوة، وأعلى مراتب الايمان بالانتماء الى الأرض والشعب، وأعلى مراتب الثقة ان النصر أت بعد صبر ساعة، وأعلى مراتب فنون القيادة.

 لون وجهه من لون التراب، لوّحته خيوط الشمس  فصار أسمرا بلون جذوع الزيتون والليمون وتراب سهل مرج بن عامر.

لأنهم يذهبون الى المعركة بثقة المنتصر يخافهم الموت ويفرُ من أمامهم، لم يكن قصدهم الذهاب الى الموت، ولا الى الخلود بل كان قصدهم الذهاب الى النصر، لذلك يأتي الخلود اليهم ويكسب شرف احتضانهم.

سلام على يده التي اكتسبت شرف الضربة الأخيرة، سلام على عينيه التي حدّقت في الدرون قبل ان تصل الى جسده القذيفة، سلام على روحه التي انتصرت على الخطر، ولم تعرف الخوف وهي تغادر الجسد الطاهر، سلام على صوته المبحوح الهاتف دائما لحياة فلسطين.

سلام على الجسد الممشوق كشجرة الحور العاصية على الانحناء، وأسقطتها عاصفة ذوي القربى قبل ان تسقطها خناجر الأعداء، سلام على الروح المقتولة بالغدر قبل ان تُقتل بقذائف العدو.

ياخذونك اليهم انت المختلف معهم في المبادئ والأفكار والفلسفة وتفسير التاريخ والهوية، والمتوافق معهم في شيء واحد هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وفي لحظة اشتداد نار المعركة، تغلب غاية التحرير الخلافات فيمتزج الدم بالدم  وتتفاعل الروح مع الروح ويحافظ العقل على ميزة الخلاف الفكري لأنه طريق الابداع في الحياة والكون والفن، كيف لا يأخذك السنوار اليه حتى ولم يأت اليك، فالضرورات تبيح المحظورات وحين يكون الموضوع تحرير فلسطين تصبح البندقة مع البندقية والكتف على الكتف وتُصبح المتاريس متراسا واحدا.

أمثال يحيى السنوار لا يرحلون، لا ينتقلون بالموت الى الجهة الثانية من الوجود، لا يتركون فلسطين، فهم كالتراب لا يقوى على اقتلاعه طوفان الأعداء ولا طوفان ذوي القربى، باق في مكانه ما بقيت الطبيعة وما بقيت الأرض والسماء والليل والنهار.

هذا الشعب الذي تستشهد قيادات مقاومته في الميدان عصي على الانكسار، عصي على الموت، عصي على غاية حرب الإبادة.

قيادات المقاومة شهداؤها فإرثهم  باق الى ما بعد النصر.

الأكثر قراءة

خاص "الديار": أول عملية استشهادية في الخيام ومعارك عنيفة مستمرة