اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


صباح 27 تشرين الثاني 2024، وكان صباح هيروشيما، عاد أهل الضاحية الى منازلهم، أو الى أنقاض منازلهم. لم يجدوا السيد في انتظارهم. لم يعثروا عليه في أي مكان، وكان ولا يزال في كل مكان. لم يخسروا رجلاً، خسروا زمناً. ولكن متى كان للشيعة أن يدفنوا قادتهم تحت التراب؟

يوم هيروشيما هو يوم الأرواح الجريحة، والقلوب الجريحة. لا بد من الكلام الذي يفترض أن يقال بعيداً عن لغة الأنا أو عن لغة الطائفة. كلنا أمام اختبار وجودي. ينبغي أن نتنبه ويتنبه غربان الشاشات، ويأخذوا الأمثولة من التعاطف الشعبي الكاسح، ومن كل الطوائف دون استثناء، مع أولئك الذي اضطرهم ليل البرابرة الى ترك منازلهم، والنزوح الى داخل الوطن.

الغربان الذين تعاملوا بفوقية مروعة مع الطائفة الجريحة. هؤلاء الذين كانوا يقاتلون في الجنوب، فعلوا ذلك دفاعا عن أرض لبنان، وهي أرض كل اللبنانيين. في وجه مَن...؟ في وجه أعتى أمبراطورية في التاريخ، وفي وجه ألمانيا التي أنتجت أدولف هتلر، وتناست تلك السلسلة الطويلة من العباقرة، وفي وجه بريطانيا التي راحت تشحذ السكاكين لاعادة تقطيع أوصال المنطقة. لم يعد هناك التاج الملكي. صاحب الجلالة يعتمر قبعة الكاوبوي...

قد نختلف حول تلك الحرب ـ ويفترض أن نختلف ـ إن حول التوقيت أو حول التقدير. ما دامت "اسرائيل" الابنة الكبرى لأميركا، التي تمسك بكل مفاصل القوة في العالم. لا روسيا هناك، ولا الصين هناك، لا العالم الاسلامي (وهو الخدعة الكبرى) هناك، ولا العالم العربي (وهو الطامة الكبرى ) هناك. "اسرائيل"، بايديولوجيا الكراهية، وحيث لا وجود للآخر، أظهرت أنها عسكرياً، وبالرغم من ذلك التقدم التكنولوجي الهائل، أوهى من بيت العنكبوت لولا مئات الطائرات والسفن الأميركية والأوروبية، التي حملت اليها السلاح والمال لتشق الطريق الى الـ Pax Americana بالدم.

من هنا دعوتنا، دعوة اللبناني للبناني، "لا تهينوا الطائفة الجريحة، لا الطائفة القتيلة التي حار الغربان اياهم حول مكان دفنها". وعليّ كلبناني، لا علاقة لي لا بمنطق الطائفة ولا بالترسبات الايديولوجية أو التاريخية للطائفة، شاهد الضاحية وأهل الضاحية في صباح هيروشيما. شيء ما يشبه نهاية العالم، أن تكلم...

لم يكن هناك حزن فقط. كان هناك غضب، أكثر عصبية وأكثر شراسة، كنقيض للدماثة التي عرفوا بها على مر الأزمنة. ما يخيف في حالة الضياع هذه، العودة الى فائض الفوضى، ولكن في ظروف أكثر هشاشة، وأكثر قابلية للانفجار. لم تعد تعنينا مواعظ اساقفة الغيب، وهم اساقفة الهباء. من تراه يستطيع احتواء هذا الوضع حين نرى أن هناك مَن هو ماض في التأجيج السياسي والتأجيج الطائفي؟ تصوروا أن سيناتوراً أميركياً من أصل لبناني (سيناتور من الدرجة الثالثة)، وهو يدعو عبر احدى الشاشات المحلية، الى انزال العقوبات بالرئيس نبيه بري لمسؤوليته عن عدم انتخاب رئيس الجمهورية، كما لو أن الأزمة في رئاسة الجمهورية لا في الجمهورية.

الطائفة الشيعية تبدو خطرة في هذه الأيام. لسنا من جماعة النقر على الدفوف. لكن الرئيس بري هو الوحيد الذي يجعل الشيعة يشعرون بأنه لا يزال لهم مكان في ظل البلبلة الراهنة، وان كانت الحرب التي كشفت الكثير من الأشياء، التي لا مجال للحديث عنها الآن، لا بد أن تحدث تغييرات جوهرية في المشهد السياسي العام. ثمة غياب. الذي غاب هو السيد حسن نصرالله...

كل طائفة عاشت تجربة اغتيال مَن رأت فيه قائدها التاريخي. ولكن كل منها كانت تجد ظهيراً لها في محنتها. الشيعة، وكما كانت الحال في القرن التاسع عشر، لا ظهير لهم، وحدهم في الخندق، ووحدهم حالوا دون تنفيذ ذلك السيناريو الأسود الذي أعدّ لهم. ذلك المحور البائس الذي يدعى "محور الممانعة"، وحيث كل دولة غارقة في أزماتها وغارقة في مصالحها.

ذلك "النوع" الرائع من اللبنانيين الذين فتحوا قلوبهم ومنازلهم، هو روح لبنان ومستقبل لبنان. لا حملة السكاكين، ولا حملة الغرائز. بعد الحرب لبنان الآخر، خارج السفسطائية التي تضج بها السوق السياسية (البازار السياسي).

سؤالنا... أين ذهبت شعارات بنيامين نتنياهو ؟ كلها سقطت تحت أقدام من احترفوا بالدم، اجتثاث الأقدام الهمجية. انظروا الى "اسرائيل"، داخل "اسرائيل"، ولسوف ترون، ولسوف نرفع كلنا شارات النصر...

الأكثر قراءة

المقاومة والخروقات الاسرائيلية: فرصة للدولة وجهوزية للرد واشنطن لإضعاف حزب الله داخليا «والعين» على إعادة الإعمار غضب المستوطنين في الشمالي دفع نتانياهو للتصعيد الكلامي؟!