اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لم ينخرط الجيش اللبناني في الانقلابات العسكرية للوصول الى السلطة منذ الاستقلال في العام 1943، في وقت كانت المنطقة بدأت تشهد انقلابات من سوريا مع الضابط حسني الزعيم في مطلع العام 1949، الى "ثورة الضباط الاحرار" في مصر مع "البكباشي" جمال عبد الناصر وزملاء معه في 23 تموز 1952، وهو الوقت الذي كان في لبنان تقوم "ثورة بيضاء" بقيادة "الجبهة الاشتراكية الوطنية"، ومن ابرز رموزها كميل شمعون وكمال جنبلاط  ضد عهد الرئيس بشارة الخوري، الذي عُرف عهده بالفساد والمحسوبية وطغيان حكم العائلة عبر شقيق الرئيس، الذي سمي بـ"السلطان سليم"، الى تزوير الانتخابات النيابية ليمدد الخوري لنفسه وفعل عام 1947.

في تلك "الثورة البيضاء"، وقف الجيش اللبناني بقيادة اللواء فؤاد شهاب على الحياد، مما اتاح له ان يطرح اسمه رئيس مجلس النواب آنذاك احمد الاسعد رئيساً للجمهورية، بعد استقالة الخوري الذي كلفه رئاسة الحكومة التي كانت انتقالية، الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، بحيث لم تطل الفترة وانتخاب شمعون رئيساً للجمهورية بدلاً من حميد فرنجية، الذي كان متقدماً، الا ان اتفاقاً بريطانياً ـ سورياً في عهد الرئيس اديب الشيسكلي، اوصل شمعون الى القصر الجمهوري.

ومنذ العام 1952، واسم قائد للجيش يُطرح لرئاسة الجمهورية، التي وصل اليها اللواء شهاب في آب العام 1958، باتفاق مصري ـ اميركي بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والموفد الاميركي ريتشارد مورفي الاول، اثر احداث دموية بين اللبنانيين، الذين انقسموا بين مؤيد لشمعون الذي التحق بمشروع "حلف بغداد" الاميركي الصنع، لمواجهة تمدد الشيوعية، وفريق لبناني آخر ايد مشروع عبد الناصر للوحدة العربية، والتي قامت اول تجربة لها بين سوريا ومصر، وعُرفت بالجمهورية العربية المتحدة.

فكان اللواء شهاب اول قائد جيش يصل الى الرئاسة الاولى دون انقلاب عسكري، بل عبر مجلس النواب، الا ان الضباط فؤاد عوض وشوقي خيرالله وعلي الحاج حسن، وكانوا اعضاء في الحزب "السوري القومي الاجتماعي"، نظموا انقلاباً عسكريا بالتنسيق مع الحزب نهاية عام 1961، وفشلوا في الوصول الى السلطة، فزج بالقوميين في السجن بعد حل الحزب، وهذا ما ترك لعهد شهاب ان يتحول الى حكم شبه عسكري، بسيطرة جهاز المكتب الثاني (المخابرات لاحقا) على الحياة السياسية، التي كان ضباط المكتب الثاني موصوفين بتدخلهم في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية والنقابية.

وفترة حكم شهاب شهدت ايجابيات وسلبيات، ومن ابرز ما انجزه هو انشاء المؤسسات، تحت عنوان الاصلاح، لكنه فتح الباب امام العسكر نحو السلطة، فبات كل قائد جيش او مدير مخابرات مرشحا للرئاسة، فحاول كل من عبد العزيز شهاب واميل البستاني وغابي لحود وجوني عبده وسيمون القسيس وفيكتور خوري وميشال عون، لكن ظروف هؤلاء لم تساعدهم للوصول الى رئاسة الجمهورية، منها رفض لبناني لوصول عسكري الى رئاسة الجمهورية، بعد ممارسات "المكتب الثاني"، وقيام حملة سياسية وحزبية ضده، ادت الى اسقاط "الشهابية" التي تحولت الى ما سمي بـ "النهج" من الحكم، وانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية من "تكتل الوسط" النيابي، بوجه الياس سركيس المرشح المدني "للنهج" وكان حاكم مصرف لبنان، ففشل على صوت واحد وفاز فرنجية عام 1970.

هذا كان قبل اتفاق الطائف وحصول الحرب الاهلية، اما بعده فكان الخيار مدنياً لرئاسة الجمهورية، فانتخب رينيه معوض الذي اغتيل بعد حوالى الشهر، ليخلفه الياس الهراوي في تشرين الثاني 1989، لكن العماد عون الذي كان رئيساً لحكومة عسكرية، تمرد على اتفاق الطائف ولم يرض بانتخاب الهراوي، لان كان طموحه ان يكون هو رئيساً للجمهورية في العام 1988، وسعى اليها عبر سوريا برئاسة حافظ الاسد، فلم تتأمن له الظروف الداخلية ولا الخارجية بان يكون العسكري الثاني في رئاسة الجمهورية، فوصل اليها وهو يحمل الرقم اربعة.

وفي الاستحقاق الرئاسي الحالي، الذي مضى عليه 26 شهراً ولم ينجز، فان من بين الاسماء المتداولة لرئاسة الجمهورية وهي: قائد الجيش العماد جوزاف عون، والمدير العام بالانابة للامن العام اللواء الياس البيسري، والسفير السابق العميد المتقاعد جورج خوري، يقابلهم مرشحون مدنيون النائب ابراهيم كنعان ونعمت افرام، وان الاختيار ليس بين من هو مرشح عسكري سواء كان بالخدمة او تقاعد، او بين مرشحين مدنيين، لان المواصفات هي التي تتحكم بالعملية الانتخابية، كما الظروف الداخلية والاقليمية والدولية، والمهام التي ستلقى على الرئيس الجديد.

فمن بين المرشحين العسكريين الثلاثة الذين تمت تسميتهم من اطراف داخلية، ونالوا تأييد دول فاعلة في لبنان وصاحبة قرار فيه، فان واحداً منهم قد يكون رئيساً للجمهورية، وهو الخامس بعد اربعة وصلوا اليها، وثلاثة منهم بالتتابع وهم الرؤساء: اميل لحود وميشال سليمان وميشال عون، فالى من ستؤول الرئاسة من بين الثلاثة؟ الذي لكل منهم مواصفاته، وخضعوا للامتحان بالممارسة بوظائفهم او من قبل كتل نيابية، او مراجع روحية وسياسية وسفراء دول، وبقي القرار ليوم 9 كانون الثاني المقبل، الذي حدد فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة الانتخاب التي ستكون متتالية، ويريد ان يخرج منها الرئيس التوافقي.

ومع الكتمان الذي يرافق اسم المرشح الاكثر حظاً للفوز برئاسة الجمهورية، فان "اللقاء الديموقراطي" برئاسة النائب تيمور جنبلاط فتح الطريق امام عسكري الى القصر الجمهوري، فسمى قائد الجيش مرشحه، وهو لم يأت من فراغ، كما تقول مصادر "اللقاء"، بل من تجربة العماد عون في المؤسسة العسكرية الناجحة، وهو على مسافة من الجميع، ويحظى بتأييد خارجي لا سيما من اميركا وفرنسا والسعودية.

ومع طرح اسم قائد الجيش مرشحاً رسمياً، فان الاسمين الآخرين وهما اللواء البيسري والعميد خوري لم يفقدا الامل في ان يصلا الى رئاسة الجمهورية، ولهما حظوظهما وظروفهما، وان كانت اسهم قائد الجيش الاعلى، وان الظروف الداخلية والاقليمية والدولية، والتطورات التي حصلت في غزة ولبنان وسورية على المستويين العسكري والسياسي، والتحولات التي قد تشهدها المنطقة برسم خرائط لها، وتنفيذ مشاريع فيها، تحتم ان يكون الوضع في لبنان مستقراً، وان وصول عسكري الى رئاسة الجمهورية، قد يكون اسهل الخيارات لدى الداخل والخارج . وكل عسكري وصل الى الرئاسة الاولى اتت به ظروف، فكان اميل لحود لتطبيق شعار "جيش وشعب ومقاومة"، وميشال سليمان لمحاربة الارهاب بعد احداث مخيم نهر البارد، وميشال عون لحماية ظهر المقاومة وتطبيق "تفاهم مار مخايل"، فعلى اي عنوان سيكون الرئيس الجديد؟



 

الأكثر قراءة

دعم دولي لولادة حكومية قيصرية بثقة متواضعة الدوحة تعود الى بيروت من جديد... دعم للمؤسسات ونفط وغاز واشنطن لنتنياهو: لاستبعاد خيار تجدد المعارك في لبنان