الصلاحيات الاستثنائية هي عندما تطلب الحكومة من البرلمان تفويضها سلطة إصدار مراسيم اشتراعية في مواضيع تشريعية هي أصلاً من اختصاص البرلمان. وغالباً ما يحصل هذا التفويض في ظروف معيّنة ولمدّة محدّدة شرط عرض هذه المراسيم على البرلمان لإقرارها.
ولقد حدّد الفقيه الدستوري «René Capitant» المرسوم الاشتراعي بالمرسوم الذي يعدّل القانون أي أن له قوة القانون.
تعود المراسيم الاشتراعية في نشأتها إلى العام 1879 حيث صدر قانون عن البرلمان الفرنسي أجاز للحكومة صلاحية إصدار مراسيم بفتح اعتمادات مالية إضافية في حال عدم انعقاده أو تأجيل دوراته، وعلى أن يتمّ عرضها على البرلمان لإقرارها في أول دورة ينعقد فيها. وفي العام 1914 صدر قانونا تفويض تعلّق الأول بحاجات الدفاع والثاني بقضايا مالية.
وعند استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية في العام 1924 صدر عن البرلمان قوانين تفويض عديدة مالية وجمركية وكان المبرّر عدم تمكّن الهيئة التشريعية من القيام بأعباء تشريعيّة لصعوبة انعقادها ولعدم قدرتها على مواجهة الظروف الطارئة بالأصول التشريعية العادية.
وكان Hauriou المفكّر القانوني قد برّر آنذاك تفويض البرلمان للحكومة بأن الظروف تستلزم الإسراع في إقرار القوانين معتبراً السلطة التنفيذية بأنها السلطة التي تُجيد التوليف بين التصوّر والتقرير والتنفيذ.
أما في لبنان فلقد طلبت حكومة إميل إدّه لأول مرّة في العام 1929 من البرلمان منحها الصلاحيات الاستثنائية من أجل تنفيذ برنامجها الإصلاحي لمعالجة الأزمة الاقتصادية متذرّعة بالظروف الاستثنائية التي تستوجب العجلة والإسراع في العمل.
ويبيّن واقع التشريع اللبناني وجود ستة عشر قانون تفويض صادرة عن مجلس النواب توزّعت بين العام 1929 و 1984 وأنتجت 788 مرسوماً اشتراعياً. ولم يكن البرلمان متصلباً عند استجابته لطلبات الحكومة لأنه، حسب علمنا، لم يرفض سوى مشروع قانون تفويض واحد كما حصل في العام 1968.
ولقد تضمّنت قوانين التفويض جميع المسائل والمواضيع السياسية والاقتصادية والإدارية والقضائية والقانونية والثقافية والإجتماعية.
- ما هي الدوافع الكامنة وراء إجازة البرلمان للحكومة التشريع بمراسيم إشتراعية؟
الدافع الأول: الظروف الإستثنائية
وقد تكون هذه الظروف الإستثنائية إقتصادية أو سياسية أم إجتماعية أم مالية... فليس من معيار واضح لتحديدها فهي عامة ونسبية ومع ذلك فإن قبول مجلس النواب بها يزيل أي جدل بشأنها مهما كانت طبيعتها.
وقد حدّد البعض الظروف الإستثنائية بالحاجة الملحّة التي تستلزم سرعة في التصرّف ودينامية وعجلة في القرار وهي شروط قد لا تتوافر دائماً في الآلية التشريعية في البرلمان بحكم عمل اللجان المتعدّدة والمعروف بعدم المرونة، ممّا يؤدي إلى تقصير البرلمان في القيام بمهامه مواجهة للظروف العاجلة والإستثنائية.
الدافع الثاني: التقنيّة والفاعلية في التشريع
إن ظاهرة انقسام النواب إلى أحزاب متعدّدة، عامل صحّي بحدّ ذاته، لكن قد أدّت هذه الظاهرة إلى تأخير العمل التشريعي وإعاقته عند إختلاف الأهداف والمصالح بينها.
زِد على ذلك ما ينطبق على البرلمان اللبناني لجهة تأثير تعدّدية الطوائف فيه على مجرى السياسة وتعارض مصالحها مما يؤخر التشريع وعلى الأخص في ظل عدم وجود غالبية نيابية متجانسة وثابتة.
ولا تقتصر أسباب تعثّر البرلمان على هذه العوامل فقط إذ إن التطور المتعاظم للمجتمعات الحديثة قد زاد من مهام المجلس إلى حدّ جعل منه هيئة غير قادرة على القيام بمهامها إلا بصعوبة.
أضيف إلى ذلك الجانب التقني الذي يشكّل في الكثير من القوانين المكوّن الأساسي، وقد لا يُسهّل ذلك عمل المجلس النيابي الذي يفوته بشكل عام الخبرة التقنية في ظل تضاعف تطوّر وتعقّد العلوم الإقتصادية والمالية والإجتماعية والمعلوماتية، وما يستتبع ذلك من صعوبة لدى بعض النواب في متابعة أي مشروع تقني صرف.
وإن لهذه العوامل كلّها تأثيرا كبيراً على تضاؤل دور البرلمان التشريعي ولقد وضّحها المرجع القانوني Burdeau قائلاً:
“… Le caractère de plus en plus technique des textes qui ne s’accommode ni de la procédure du débat général, ni de l’imcompétence des membres des Assemblées “
وهكذ أضحى التشريع لا يحتاج فقط إلى خيال السياسي المبدع بقدر ما يحتاج إلى معارف تقنية وعلمية متوافرة عملياً للحكومة أكثر من أية هيئة أخرى. ولا شك أن هذا العامل هو من أهم العوامل التي أدّت إلى تفويض التشريع إلى الحكومة.
ولا نغالي إذا أشرنا إلى آفة يعاني منها غالبية البرلمانات في العالم وهي أن النواب اعتادوا تمرير القوانين بسرعة عندما تتوافق مع مصالحهم ولقد علّق الفقيه الدستوري Tardieu في هذا الإطار قائلاً:
“ Les chambres ne font vite que lorsqu’il s’agit d’elles mêmes: lois élecorales, augmentations de l’indemmité, largesses demagogiques”
وفي هذا السياق أجد نفسي مضطراً إلى تأكيد ما ذهب إليه Tardieu مستعيناً بما ورد في محاضر مجلس النواب اللبناني:
« في جلسة نيابية منعقدة بتاريخ 15/11/1979 وفي الساعة الواحدة والنصف ترك الأسعد منصة الرئاسة، وتولّى إدارة الجلسة منير أبو فاضل وعرض مشروعاً يقضي برفع التعويض العائلي للموظفين إلى 75 ليرة عن الزوجة و 40 ليرة عن الولد. وطلب الوزير خليل تأجيل البحث في الموضوع لأن هناك أعباء مالية تقدّر ب 84 مليون ليرة.
بيضون: ما درسناه
أبو فاضل: معجّل مكرّر ما بدو درس
الخليل: طول بالك
أبو فاضل: الموظفون لا يقبلون 15 ليرة لزوجاتهم
الدويهي: نحن معك
أبو فاضل: لمّن صار للموظف صار بدّو درس، بس إعفاء سيارات النواب من رسوم الجمارك وكل الرّسوم أقرّ بالإجماع».
- هل يجوز الطعن بالمرسوم الإشتراعي أمام القضاء الإداري؟
في العام 1907 أقرّ الإجتهاد الفرنسي بأن أنظمة الإدارة العامة تخضع للطعن أمام القضاء الإداري لتجاوز حدّ السلطة. واستمر الإجتهاد الفرنسي في الإتجاه ذاته في العام 1914 بالنسبة للأعمال الصادرة بموجب تفويض تشريعي والتي عرفت بالمراسيم الإشتراعية.
كما تبنّى الإتجاه نفسه فيما يتعلّق بالأوامر Ordonnances الصادرة بموجب المادة 38 من دستور الجمهورية الخامسة.
أما القضاء الإداري اللبناني فلقد أخضع في العام 1955 المراسيم الإشتراعية لرقابته باعتبارها أعمالاً إدارية صادرة عن سلطة إجرائية واستمر في الإتجاه ذاته لغاية تاريخه.
في الختام لا بدّ لي من إلقاء الأضواء على استخلاصين.
الإستخلاص الأول
سواء كنّا في أحوال عادية أم استثنائية فإن الحكومة التي تعتمد على القوانين كوسيلة عادية لتنفيذ سياستها الإصلاحية والإنمائية فإنها تحتاج من دون شك إلى مصادقة البرلمان على مشاريعها. ولما كانت وسائل عمل البرلمان التشريعية بطيئة في استجابتها في الوقت المناسب لرغبات الحكومة بفعل ظروف عديدة: بطء الآلية التشريعية، ظروف المناقشة الطويلة، صعوبة تأمين الأغلبية... رُؤي الإستعانة بالمراسيم الإشتراعية التي تندرج تحت عنوان عقلنة التشريع وفي إطار تخطّي الصعوبات من أجل تسريع التشريع والزمان. إن اللجوء إلى هذه الطريقة سائد في معظم الدول نذكر منها: فرنسا، بلجيكا، بريطانيا، ايطاليا، سويسرا، الولايات المتحدة...
الإستخلاص الثاني
الواضح أن التشريع في لبنان يتقاسمه البرلمان والحكومة ونرى من المفيد عملاً بالمبادئ الديمقراطية توسيع نطاق المبادرة التشريعية لكي تنطلق أيضاً من الشعب المعني مباشرة بالتشريع فتعكس حاجاته وطموحاته.
وفي هذا الإطار يصحّ المطالبة بإعطاء النقابات بمختلف أطيافها وأشكالها والجمعيات الأهلية حق المبادرة التشريعية.
* دكتور في القانون العام
يتم قراءة الآن
-
لهذه الأسباب... أورتاغوس ألغت زيارتها الى بيروت
-
ماذا يريد نتنياهو من لبنان؟
-
خلافات أميركية فرنسية بشأن بقاء «اسرائيل» بالنقاط الـ 5 في الجنوب «مكانك راوح» وغموض يحيط باجتماعات سلام... هل نضجت الطبخة؟ التحرك الشعبي متواصل جنوباً والغارات وصلت الى وادي خالد وجنتا؟
-
"إسرائيل" تشكك بانتشار الجيش اللبناني جنوباً وتطالب بكشف هويّة أفراده!
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
21:31
وزير الخارجية الأميركي: عملنا مستمر لضمان الإفراج عن جميع الاسرى الذين لا تزال حماس تحتجزهم
-
21:14
البيت الأبيض: السيسي أكد أن قيادة ترمب تبشر بعصر ذهبي للسلام بالشرق الأوسط
-
21:13
الخارجية السودانية: مقتل أكثر من 60 شخصا نتيجة قصف مليشيا الدعم السريع لسوق في أم درمان
-
21:12
محمود عباس: مستعدون للعمل مع الدول الشقيقة والصديقة لتسـريع إعادة إعمار غزة وربطها بالضفة الغربية
-
21:12
إعلام العدو: الإعلان عن اختيار إيال زمير رئيسا جديدا للأركان خلفا لهرتسي هاليفي خلال ساعات
-
19:59
مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي: نتنياهو يتوجه إلى أميركا غدا للقاء ترامب