في خطوة تشريعية أثارت جدلا واسعا، تقدمت كتلة «الاعتدال الوطني» باقتراح قانون معجل مكرر، يمنح عفوا عاما ويخفف بعض العقوبات بشكل استثنائي. يأتي هذا الاقتراح في ظل نقاشات حادة حول تداعياته القانونية والاجتماعية، وسط تباين في وجهات النظر بين من يرى فيه خطوة نحو حل أزمة الاكتظاظ السجني، ومن يخشى تأثيره على العدالة وسيادة القانون.
يقترح القانون إسقاط الدعوى العامة والملاحقات والعقوبات عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ نفاذه، مع إلغاء جميع الوثائق الأمنية والعسكرية المرتبطة بالمستفيدين، دون الحاجة لإجراءات قضائية إضافية. ورغم هذا الانفراج القانوني، فإن الاقتراح لا يشمل جرائم القتل بحق المدنيين والعسكريين، والجرائم المحالة إلى المجلس العدلي، وجرائم المخدرات المتكررة، إضافة إلى الجرائم المتعلقة بالفساد والإثراء غير المشروع، والتعدي على المال العام.
كما يتضمن الاقتراح استبدال عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة لمدة 25 عاما، مع تخفيض العقوبات المشددة وفق نسب محددة، ودمج العقوبات الأشد لضمان تحقيق العدالة. كما ينص على الإفراج عن الموقوفين، الذين تجاوزت مدة توقيفهم القانونية خمس سنوات، مع فرض عقوبات مشددة في حال ارتكابهم جنايات جديدة خلال فترات زمنية محددة.
يُلزم القانون بترحيل المستفيدين غير اللبنانيين والفلسطينيين فور الإفراج عنهم إلى بلدهم، فيما يمنع رد الغرامات أو الأشياء المصادرة، ويؤكد على أن العمل بالقانون يبدأ فور نشره في الجريدة الرسمية.
وبحسب كتلة «الاعتدال» فان الاقتراح يأتي استجابةً لحالة التوتر السياسي والاجتماعي، ومعالجة أزمة السجون التي باتت تشكل ضغطًا على الدولة، كما يسعى إلى إعادة تأهيل مرتكبي الجرائم البسيطة وإدماجهم في المجتمع، مع الإبقاء على العقوبات الصارمة ضد الجرائم التي تهدد الأمن العام.
وفي مقابلة خاصة أجرتها جريدة «الديار» مع النائب وليد البعربني، أوضح أن الهدف الأساسي للاقتراح هو إنساني بحت، إذ لا يمكن القبول باستمرار ظلم آلاف الموقوفين بلا محاكمات. وأكد أن الاقتراح جاء بعد مشاورات مكثفة مع جهات قضائية وأمنية، لضمان قانونية وعدالة بنوده.
وعن فعالية الاقتراح في تخفيف الاكتظاظ السجني، أشار البعربني إلى أن العفو سيقلل عدد الموقوفين، خاصة أن نسبة كبيرة منهم لم تُجرَ لهم محاكمات. أما عن ضمانات إعادة تأهيل المستفيدين، فقد أكد أن ذلك يتطلب تكاتفا بين الدولة والمنظمات المتخصصة.
واجه الاقتراح بعض الانتقادات، لا سيما فيما يتعلق بإمكانية تأثيره على ثقة المواطنين بالقضاء، لكن البعربني شدد على أن القانون يؤسس لمرحلة جديدة من العدالة، ويمنع استغلاله لتحقيق مكاسب غير مشروعة. وأوضح أن استثناء الجرائم الكبرى من العفو، يضمن عدم التفريط بحقوق الضحايا، بل يمنح فرصة عادلة لموقوفين ظلما وتعسفا.
مع انتظار إقرار القانون، أكد البعربني أن هناك حاجة لوضع خطة تنفيذية واضحة تشمل آليات متابعة المستفيدين من العفو، لمنع عودتهم إلى الجرائم، مع ضمان تنسيق مع الدول المعنية بترحيل غير اللبنانيين. كما شدد على أن نجاح القانون مرهون بتطبيقه العادل والشفاف، وبالتزام الجميع بأهدافه الإنسانية والاجتماعية.
وفي مقابلة مع المحامية سحر أيوب للاطلاع منها على مدى قانونية الاقتراح المقدم، أوضحت أن قانون العقوبات يتضمن عنوانًا حول «سقوط الأحكام الجزائية»، ومن بين الاسباب المؤدية إلى ذلك العفو العام، كما جاء في المادة 150 من القانون. وأكدت أن العفو العام يصدر عن السلطة التشريعية، مما يؤدي إلى إسقاط العقوبة عن الجاني، وإزالة الصفة الجرمية عن الفعل المرتكب وكأنه لم يكن.
وأضافت أن السلطة التشريعية، ممثلة بمجلس النواب، تحدد الجرائم المشمولة بالعفو العام، مشيرة إلى أن قوانين العفو في لبنان تصدر بشكل منتظم، لكنها باتت تُستغل لأهداف سياسية، مما يجعلها سلاحا ذو حدين. ولفتت إلى أن تكرار العفو العام سينسف القوة الرادعة التي فرضها القانون، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الجريمة، وهنا تضرب حقوق الضحية والمجتمع، حيث يتيح للمجرمين الإفلات من العقاب والعودة إلى ممارسة أفعالهم غير القانونية.
وتطرقت أيوب إلى تأثير العفو العام على القضاء، معتبرة أن تدخّل السلطتين التشريعية والإجرائية في عمل القضاء أمر بالغ الخطورة، ويقوّض استقلاليته التي يُفترض أن تكون مصانة. وأكدت أن القانون الحالي جاء بصياغة واسعة تشمل جرائم خطيرة لم تُستثنَ، مثل التهرب الضريبي، وجرائم ديوان المحاسبة، وجرائم الإرهاب، والتعامل مع العدو «الإسرائيلي»، إضافة إلى تبييض الأموال.
وشددت على أن هذا الطرح يهدد منظومة العقوبات بالكامل، إذ يضمن للمعتدين الإفلات من المحاسبة، ما يشكل دافعا لهم لتكرار جرائمهم، ويضرب الثقة العامة في النظام القانوني.واعتبرت أن الهدف الحقيقي من القانون هو تحقيق مكاسب سياسية عبر استرضاء بعض الفئات المخالفة للقانون التي تعتبرهم السلطة السياسية جزءا من جمهورها.
أما بالنسبة للإدغام المنصوص عليه في اقتراح القانون، فأوضحت أيوب أنه يتطلب وجود حكمين نهائيين بحق الجاني، ما يجعله إجراءً قانونيا لا يؤدي إلى إفلات المجرمين من العقاب. وبشأن ترحيل السجناء السوريين، أكدت استحالة تنفيذ ذلك حاليا ، بسبب غياب اتفاقيات قضائية وأمنية بين لبنان وسوريا، فضلًا عن التفلت الأمني على الحدود، مما يجعل إعادة هؤلاء السجناء إلى لبنان أمرًا واردًا.
واقترحت أيوب حلولا بديلة لمشكلة الاكتظاظ في السجون، منها احتساب السنة السجنية بستة أشهر بدلا من تسعة، وتفعيل لجان تخفيض العقوبات، وزيادة عدد الآليات وعناصر قوى الأمن الداخلي لتسريع المحاكمات، إضافة إلى تطبيق أحكام المواد 108 و111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية المتعلقة بمدة التوقيف الاحتياطي.
من جهة أخرى، صرّح مصدر مطلع على أعمال لجنة الحماية من التعذيب في لبنان لـ»الديار» أن هناك مخاوف من أن يؤدي العفو العام إلى إفلات المجرمين من العقاب، في ظل تزايد معدلات الجريمة. ورأى أن القانون قد يكون حلًا مؤقتًا لمشكلة السجون، لكنه ليس الطريقة المثلى، مشيرا إلى أن الهدف الحقيقي لبعض الجهات السياسية الداعمة له، قد يكون تحقيق مكاسب خاصة.
ولفت المصدر إلى أن القانون سيُعرض على اللجان النيابية، حيث سيُحسم مصيره إما بالمرور أو بالإسقاط، مشددا على ضرورة وجود اتفاقيات لتبادل تسليم وتسلم المطلوبين قبل تنفيذ أي خطوة بهذا الاتجاه.
وبذلك، يتضح أن قانون العفو العام المقترح يثير جدلا واسعا بين مؤيدين يرونه ضرورة إنسانية وقانونية، ومعارضين يحذرون من مخاطره على العدالة وسيادة القانون، في ظل تباين وجهات النظر حول جدواه وتأثيره على الأمن والمجتمع.
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
18:09
جثمان السيد حسن نصرالله الى مثواه الأخير حيث سيوارى في الثرى في المرقد المخصص له على طريق المطار القديمة.
-
18:05
رئيس مجلس النواب نبيه بري يلتقي في هذه الاثناء في عين التينة رئيس مجلس الشورى الايراني محمد باقر قاليباف والوفد المرافق.
-
17:52
زيلينسكي: لست مستعدا حتى لمناقشة سداد 100 مليار دولار لواشنطن لأن جزءا منه كان منحة وليس قرضا، وما أعرفه أن ما تلقيناه من واشنطن هو 100 مليار دولار ولا أعلم من أين أتى رقم 500 مليار دولار.
-
17:52
"سي إن إن" عن مبعوث ترامب للشرق الأوسط: ستكون هناك تنازلات من روسيا وأوكرانيا من أجل التوصل إلى اتفاق.
-
17:51
زيلينسكي: يجب أن ننخرط في أي مفاوضات ونحن جزء لا يتجزأ من أوروبا ويجب أن تكون ممثلة في المفاوضات، ومن المهم لنا ألا تتفق واشنطن مع موسكو على أي شروط مجهولة لنا ومن حقنا أن نطلب ذلك، وأعتقد أن على الولايات المتحدة ألا تساعد في خروج روسيا من عزلتها.
-
17:50
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: أود أن يأتي الرئيس ترامب إلى كييف أو نتوجه نحن إليه في واشنطن، وسعيد بالدعم الأميركي لأوكرانيا وأؤمن أن ترمب يمكن أن يساعدنا في وضع حد لهذه الحرب، ولن أبقى في السلطة لعقود ومستعد للتخلي عن منصبي من أجل السلام في أوكرانيا.
