على خطى محمد حسنين هيكل "أمة ذاهبة في داهية". عندنا "دولة ذاهبة في داهية". مثلما لا اسوار حول الشرق الأوسط، لا أسوار حول لبنان. حتى هياكلنا العظمية مكشوفة لأميركا ولـ "اسرائيل". لا يفاجئنا باحث مصري في الولايات المتحدة حين يسألنا "ما بال جماعتكم هنا، يحرضون على "حزب الله" أكثر مما يحرض صقور اللوبي اليهودي؟".
هاله أن تستضيف الشاشات أميركياً من أصل لبناني، يشبه "الطنجرة الفارغة"، وهو يرأس ("تحالفاً كاريكاتورياً" على شاكلة سبع ومخول ونصري في المخيلة الرحبانية)، لا دور له سوى التسكع على أبواب الكابيتول، كما على أبواب السفارات ويعتاش من الفتات الذي تخصصه له السفارة "الاسرائيلية" في واشنطن. نصيحة الباحث "لا تفجروا لبنان لا بالريموت "الاسرائيلي" ولا بأي ريموت آخر. المنطقة تعيش تحولات زلزالية، وليس من مصلحة أي طائفة عندكم أن تجازف بمصلحة البلد لأننا نعلم من يحكم "اسرائيل"، ومن يحكم أميركا الآن. المسألة أمامكم باتت هكذا: البقاء أو اللابقاء".
ما من مرة تعامل "الاسرائيليون" مع لبنان على أنه دولة. في صيف 1982، قالت الصحافية الايطالية أوريانا فالاتشي لآرييل شارون "صديقك هنري كيسنجر رأى في لبنان الفائض الجغرافي الذي يمكن استعماله في حل أزمات المنطقة، هل هكذا تنظر أنت اليه؟". جواب مقتضب "لبنان خطأ تاريخي". في وقت لاحق قالت فالاتشي، في مقابلة تلفزيونية، كان يفترض أن أسأله "أنت ترى في لبنان الخطأ التاريخي، ألا تعتقد أن "اسرائيل"، في الشرق الأوسط، خطيئة تاريخية؟". للعلم فقط، الطائرات "الاسرائيلية" تحلق في الأجواء اللبنانية منذ الخمسينات من القرن الفائت. لا أحد رفع صوته...
من يصدق أن هناك قوى سياسية، ولبنانية، تحث السفراء العرب، والأجانب، على عدم اعمار لبنان قبل القضاء على "حزب الله". قد نكون ضد "حرب الاسناد" بخلفياتها الملتبسة، وبتداعياتها الكارثية، وضد السلاح كعامل مؤثر في صناعة، أو في ادارة، السياسات الداخلية، بما في ذلك التحكم بالاستحقاقات الدستورية. ولكن هل كان بامكان الدولة اللبنانية، وبتلك الغيبوبة الديبلوماسية، ازالة الأقدام العمياء من الجنوب؟
أجل، قد نكون ضد الحزب، لأسباب ولأسباب، ولكن هل يمكن أن نكون رهينة لـ "اسرائيل"؟ وهل ندرك ما معنى أن يقول السفير الأميركي المعين لدى "اسرائيل" ان "التغيير في الشرق الأوسط سيكون بأبعاد توراتية". تماماً مثلما كان يحلو للجنرال رافاييل ايتان أن يبني الهيكل الثالث لا بخشب الأرز، وانما بجماجم اللبنانيين. هو صاحب شعار "العربي الجيد العربي الميت".
طبيعي أن يشعر الجنوبي بما تعنيه "اسرائيل" أكثر مما يشعر بها أي لبناني آخر. الآن قلقه أكبر بكثير بعد التطورات الزلزالية التي حدثت في المنطقة، لا سيما في سورية، وحيث القوات "الاسرائيلية" باتت على أبواب دمشق، في حين أن السلطة هناك، وهي بادارة عثمانية، تحاول عبثاً الخروج من عباءة (ومن كهوف) تورا بورا. تغيير بنيوي في المشهد الجيوسياسي في المنطقة، ولمصلحة أميركا و"اسرائيل". هل يعني ذلك الخضوع التلقائي لعصا الكاوبوي ولعصا الحاخام؟
حصار من الجهات الأربع، وتحت شعار القضاء على "حزب الله"، وليس فقط الاقتصاص منه بذريعة أنه المسؤول عن كل المصائب التي حلت بلبنان. هكذا يغسل لوردات الفساد أيديهم بدم المقاومة. مسؤول كبير سابق قال "لو ترك لنا تنفيذ اتفاق 17 أيار 1983 بين لبنان و "اسرائيل" (أي أثناء الاجتياح) لتفادينا كل هذه المصائب". كان يفترض القبول بالوصاية الاستراتيجية ـ السياسية والاقتصادية والمالية ـ "الاسرائيلية" على لبنان.
صاحبنا تناسى أن السلطة اللبنانية لم تكترث يوماً بالجنوب، وبما يعانيه أهل الجنوب الذين لم ينظر اليهم الا كحمالين في المرفأ أو كماسحي أحذية في ساحة البرج. هكذا تم تسليم الجنوب الى ياسر عرفات ليفعل بالجنوبيين ما لا يفعله الغزاة، قبل أن تنتقل المفاتيح الى آرييل شارون الذي كنا نظن، قبل ظهور بنيامين نتنياهو، أنه هولاكو الأزمنة الحديثة...
واقع جديد في لبنان، وكذلك في المنطقة. لا بد من التعاطي بواقعية مع هذا الواقع. مراسل أوروبي قال لنا "لو تعرضت دولة أوروبية لما تعرض له "حزب الله" في الأشهر الأخيرة لأنهارت". لم تعد المشكلة في الهيستيريا الاسرائيلية، وانما في الهيستيريا الداخلية. ساسة لبنانيون يرون أن ساعة الاقتصاص من الحزب قد دقت. تأجيج سياسي، وطائفي، واعلامي، في ذروته، لا يمكن تصوره من أبناء الوطن الواحد، والأرض الواحدة. هذا لا بد أن يحدث ردة فعل عصبية قد تأخذ، أحياناً، مساراً غير منطقي، وبانعكاسات كارثية.
ما المسافة الفاصلة بين التفجير السياسي (والطائفي) والتفجير الأمني. بعض المظاهر الأخيرة على الطرقات مرفوضة، ومخالفة كلياً للغة التي تتكلم بها قيادات "حزب الله". لكن ساعة العقل يفترض ان تكون ساعة الجميع لا ساعة جهة دون أخرى.
واثقون الى أبعد الحدود بقيادة الرئيس جوزف عون للمرحلة. الرجل آت من مؤسسة هي العمود الفقري لقيامة لبنان. لا نستبعد أن يدعو الى مؤتمر حواري في القصر حول كل النقاط الخلافية. البلاد بحاجة الى ميثاق جديد. على الأقل كي نخرج من هذه الحفرة التي نجد مثيلاً لها في "الكوميديا الالهية" لدانتي. هذه فرصة لكيلا يكون لبنان، مرة أخرى، الجحيم...
يتم قراءة الآن
-
لبنان يترقب اليوم الكبير في 23 شباط... سلام اختار وزراءه لجذب الاستثمارات الدولية... و100يوم لاقرار القوانين الاصلاحية
-
قواعد لعبة جديدة جنوباً... الرياض على خط مطار القليعات؟ «قطبة» مناقشة البيان الوزاري... بعد 23 لكل حادث حديث طبخة التعيينات عالنار... هل تبدأ المداورة من الأمنيين؟
-
لتوحّدنا السيّدة العذراء...
-
حزب الله : هذا لبناننا
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
20:50
مستشار الأمن القومي الأميركي: نشكر ولي العهد السعودي على استضافة المحادثات الأميركية الروسية، وبوتين وزيلنسكي أكدا أن ترامب هو الوحيد القادر على وقف القتال وإعادة السلام للعالم.
-
20:49
مستشار الأمن القومي الأميركي: إطلاق سراح أميركي من روسيا كان بادرة لبناء الثقة وخطوة أولى نحو فتح المحادثات، ونعيد العالم لما كان عليه خلال ولاية ترامب الأولى.
-
20:47
المتحدثة باسم البيت الأبيض: بداية إدارة ترامب تاريخية والرئيس وقع عددا غير مسبوق من الأوامر التنفيذية، ونتوقع تصديق مجلس الشيوخ على كاش باتيل مديرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي اليوم.
-
20:46
المتحدثة باسم البيت الأبيض: ترامب سيستقبل الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني الأسبوع المقبل، وسيستضيف أول اجتماع رسمي لمجلس الوزراء في البيت الأبيض الأربعاء المقبل.
-
20:19
زيلينسكي: من المهم لنا وللعالم أن نشعر بالقوة الأميركية وممتنون لدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي والشعب، ومحادثاتي مع المبعوث الأميركي كانت جيدة وتناولت الكثير من التفاصيل.
-
20:18
زيلينسكي: ناقشت مع المبعوث الأميركي تفاصيل الوضع الميداني وإعادة أسرانا بالإضافة إلى ضمانات أمنية فعالة.
