اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


"لسوف يجعل من أميركا أمبراطورية منسية وراء طيور البطريق". هذا رأي عالم السياسي الفرنسي أوليفيه روا به.

أي منطق في موقف دونالد ترامب حين يهدد بضرب ايران بالتشارك مع "اسرائيل" بسبب برنامجها النووي، وهي التي أعلنت أمام الملأ أنها ليست في صدد حيازة القنبلة، وتحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى إن التقرير الأخير لوكالات الاستخبارات الأميركية أكد ذلك، دون أن يشير أحد الى امتلاك "اسرائيل" مئات الرؤوس النووية؟

أيضاً أي منطق في تصريحات مورغان أورتاغوس، كبعوثة لأعظم أمبراطورية في التاريخ، حين تتعامل مع حزب لبناني ممثل في السلطة التشريعية، كما في السلطة التنفيذية، بكل تلك الكراهية، والى حد وصفه بالسرطان الذي على الدولة اللبنانية استئصاله، ودون أن تتوقف ولو بكلمة أمام الغارات الهمجية التي تشنها الطائرات "الاسرائيلية" على الأرض اللبنانية. لنسأل هل الادارة الأميركية مستعدة لتقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني تعادل نصف أو ربع، ما تقدمه للجيش "الاسرائيلي"، لكي يضطلع بتلك المهمة؟

كما لو أن بنيامين نتنياهو لا يقاتل ولا يقتل على كل الجبهات، من أجل تحويل الشرق الأوسط الى مقبرة. لآ أحد هناك سوى الموتى. لكنها أميركا التي لولاها لكانت "اسرائيل"، وحسبما قال جدعون ليفي في "هاآرتس"، تقاتل الفلسطينيين بالعصي والحجارة. وكنا قد شاهدنا ونشاهد الفارق الهائل في الأداء بين الجندي "الاسرائيلي" المدجج بالسلاح، والذي تغطي القاذفات والدبابات أي خطوة يقوم بها، وبين المقاتل الفلسطيني ببندقية الكلاشينكوف وبمدفع الهاون، وهو يواجه في العراء، وغالباً من بين الأنقاض.

الأميركيون انتصروا في الحرب العالمية الأولى، وفي الحرب العالمية الثانية، ليحققوا في عقود تلك السلسلة من المعجزات التكنولوجية، التي أحدثت تغييراً في مسار التاريخ، وحتى في مسار الزمن. لكنها هُزمت في فيتنام وفي أفغانستان كما في أوكرانيا. لماذا اذاً هذا الجنون في الشرق الأوسط، حيث النفط، وحيث "اسرائيل" كـ "وديعة الهية" ، ما لبثت أن تحولت الى "وديعة" والى "صنيعة" أميركية يفترض أن تحكم المنطقة. وها أن العرب يضعون أيديهم ورؤوسهم في اشدقاء هؤلاء الذئاب.

شراكة مع "اسرائيل" لضرب ايران، بالرغم من انكفائها الجيوسياسي والجيوستراتيجي، بتلك الكمية من العقوبات التي كادت تمنع عنها الهواء. توازياً الطلب من نتنياهو التعامل بـ"عقلانية" مع رجب طيب اردوغان الذي احتل سوريا عبر النيوانكشارية، وأتاح المجال أمام "اسرائيل" لازالة أي أثر للجيش السوري في ظل الادارة الجديدة، لنفاجأ بوزارة الخارجية الأميركية التي تعنيها "حقوق الانسان" ترحب بالاعلان الدستوري، الذي أطلقه الرئيس أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً ولاحقاً)، والذي لا يصلح حتى للذباب.

ما يستشف من كلام الخبراء الدوليين، أن النظام الدولي الراهن يقوم على "علاقات القوى"، وحيث قيادة العالم لا تختلف عن قيادة عربة الموتى. ولكن ألا ترى السيناتور اليزابت وارنر أن كل الاستراتيجيات التي صاغتها الولايات المتحدة، منذ مؤتمر يالطا في شباط 1945، قد تذهب أدراج الرياح اذا بقي ترامب يحكم أميركا بطريقة لاعب الغولف (الأعمى)، لا بطريقة رجل الدولة الذي يدرك أن التاريخ يدور مثلما تدور الكرة الأرضية.

نستعيد قول ستيف بانون، المستشار السابق لدونالد ترامب، "احياناً يبدو بخيال الدجاجة". البورصة الأميركية خسرت بعد يومين من اعلان التعرفات الجمركية 6.6 تريليونات دولار، ما اضطر الرئيس الأميركي الى تعليق العمل بالتعرفات لمدة 90 يوماً، تفادياً لوقوع زلزال مالي في أميركا.

ذهول في مختلف البلدان الحليفة ومن كندا الى فرنسا واليابان. في هذه الحال، اين مبادئ وودرو ولسون الـ 14 لبناء أفق مختلف للعلاقات الدولية، وأين فرنكلين روزفلت الذي قال "مهمتنا ألاّ ندع الأرواح الشريرة تخرج من الجحيم".

كثيراً ما حاولنا البحث عن الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. لا استراتيجية ولا حتى رؤية بعيدة المدى، وانما قفزات في الهواء. هل هو الأمبراطور أم البهلوان في البيت الأبيض ؟ ارباك على امتداد الكرة الأرضية هو أشبه ما يكون الى المشهد الدولي عشية الحرب العالمية الثانية. أوليفيه سأل "انفجار العالم أم انفجار أميركا"؟

الصين هي الهاجس الأكبر للرجل الذي اصغى بدقة وبهلع، الى أولئك الذين يتحدثون عن "اللغز الصيني". وها أن رفع التعرفات الجمركية وبتلك الطريقة القاتلة، يوقظ الصينيين الذين يقول الخبير الأميركي في الشوؤن الصينية بيري لينك، أنهم باتوا يتقنون بشكل مذهل فن الانتقال من مفهوم الدولة الى مفهوم الأمبراطورية. حذر من الدوس على قدمي التنين، ليلاحظ أن ترامب يحاول الدوس على رأسه. وهنا المجازفة الكبرى، ما دام "لا يرى الآخرين الا من ثقب في رأسه".

لن نسأل عن مستقبل الشرق الأوسط داخل هذه الاعصار. نسأل عن مستقبل العالم. لنتذكّر المأثورة الصينية "انتظر جثة عدوك على ضفة النهر". الصينيون والكثيرون غيرهم، ينتظرون جثة دونالد ترامب على ضفة النهر.

الأكثر قراءة

يوم سقوط نتنياهو؟