اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في لغة الرقص، تحية كاريوكا "رقصة الهوانم"، سامية جمال "رقصة الخيول". في لغة الديبلوماسية، جيمي كارتر الذي جعل أنور السادات ومناحيم بيغن يلتقيان في منتجع كمب ديفيد "ديبلوماسية الفراشات". دونالد ترامب الذي أطلق على هدير القاذفات النووية "ميثاق ابراهيم"  "ديبلوماسية الثيران". وكنا قد وصفنا ديبلوماسية احدى الدول العربية بـ"ديبلوماسية فاتن حمامة"، سفيرها في بيروت، العاشق للشاشات (وحيث الكلام للكلام)، أرهقنا بمقامات بديع الزمان الهمذاني.

كل الطرقات كانت تؤدي الى روما. الآن كل الطرقات تؤدي الى أورشليم. لحساب من جال الرئيس الأميركي في البلدان الخليجية الثلاث الأكثر ثراء؟ رفع العقوبات عن سوريا، وهي عقوبات لا علاقة لها لا بالقانون الدولي، ولا بالقانون البشري (شريعة الغاب) مقابل دولة منزوعة الأظافر. وكنا قد كتبنا أن رجب طيب اردوغان يقدم رأس أحمد الشرع هدية لبنيامين نتنياهو...

لا ندافع عن بشار الأسد الذي حملته الى القصر خطيئة التوريث، بل كارثة التوريث، لكن الرئيس السابق رفض الشروط الأميركية و"الاسرائيلية"، فكانت قرارات خنق سوريا اقتصادياً، حتى أن الحصول على رغيف الخبز في أهراءات روما، بات أهم من الحصول على مقعد في الجنة، مع أن الاسلاميين فتحوا آلاف مكاتب للسفر الى الجنة!

الآن كل الأبواب تفتح أمام دمشق، التي عليها أن تفتح كل أبوابها للجميع. دونالد ترامب جاء الى المنطقة دون أن يحمل معه ولو زجاجة كوكا كولا الى أي من مضيفيه، ليعود بجبل من الذهب. قناة "فوكس نيوز" أوحت بأنه "المسيح الأميركي"، ولكن على الطريقة الأميركية. قدمان من الذهب، وصولجان من الذهب. نستذكر ما قاله أحد منظري المحافظين الجدد روبرت كاغان "لم نجد صعوبة تذكر في اقناع الله بتغيير نظرته الى العالم"، لتغدو النظرة الأميركية. شاهدنا أسطولاً من أباطرة الشركات الكبرى في مجال "الهاي تك" خلال الجولة. وعود بدخول الدول اياها في القرن من الباب التكنولوجي، وحتى من الباب النووي. ولكن من تراه يقف أمام الباب؟

لا مجال الآن لأي رؤية رومانسية للواقع. ثمة مايسترو وحيد في الشرق الأوسط، كما في العالم. لم يعد ترامب حوذي الكرة الأرضية فقط، حوذي الأزمنة. الدببة القطبية ضاعت بين الوحول والنيران في أوكرانيا. التنين رهين الرقائق الالكترونية في تايوان. أميركا وحدها بديبلوماسية الثيران وباستراتيجية الثيران.

في ذروة المفاوضات معها، لم يجد الرئيس الأميركي من سبب لبلاء الشرق الأوسط سوى ايران (وحزب الله). وكنا قد تمنينا على الايرانيين أن يدعوا جانباً ديبلوماسية حائكي السجاد التي جرّت عليهم الويلات، والاستعاضة عن ذلك بديبلوماسية بائعي السجاد، بعبارة أخرى الخروج من القمقم الايديولوجي الذي لم يعد له مكان في لعبة القرن، دون أن يعني ذلك الدخول في الحرملك الأميركي. ولكن هل يستطيع ترامب تنظيف الغرفة الأميركية من الأشباح "الاسرائيلية"؟ لا نعتقد ذلك، ولا يريد ذلك.

لا مجال للصراع الجيوستراتيجي ولا للصراع الجيوسياسي مع الولايات المتحدة، كنسخة بشرية عن القضاء والقدر. الآن لغة السوق وفلسفة السوق. منذ أيام جورج بوش الأب  ومؤتمر مدريد خريف 1991، كانت الخطة واضحة. سهواً سقطت وثيقة من حقيبة خبير أوروبي في أحد فنادق بيروت، وتظهر فيها "اسرائيل" ـ بعد التطبيع ـ الفردوس الاقتصادي في الشرق الأوسط، أيضاً الدماغ الاقتصادي.

كل ما في الأمر أن دونالد ترامب يحاول اقناع بنيامين نتنياهو، بعدم بناء الهيكل الثالث بجماجم العرب (وهناك تلال من الجماجم) وانما بثروات العرب، بعدما قيل لنا ان أميركا معنية بأن تشق أمامنا الطريق الى المستقبل. حين تذهب كل تلك التريليونات الى السوق الأميركية، يذهب المستقبل العربي الى السوق الأميركية. قطعاً لا خروج من ثقافة القبيلة الى ثقافة الأمبراطورية، ولا حتى الى ثقافة الدولة التي يفترض أن تدق بقوة على باب القرن.

لا كلمة البتة عن فلسطين على شفتي دونالد ترامب. شكل وجهه تغير حين تحدث الأمير محمد بن سلمان عن المأساة الفلسطينية في مؤتمر الاستثمار. ياسر عرفات كان يعتقد أن المسألة تحل بدفن فلسطين تحت الثلوج والورود الاسكندنافية في أوسلو. فاته أن مشكلة "اسرائيل"، ومعها أميركا، كيف وأين يدفن الفلسطينون. ما فهمناه من جولة ترامب أن مهمة حفر القبور أنيطت بالعرب. لطالما قلنا أن السيد يعرب بن قحطان لا يستحق أن نضع زهرة على قبره.

هذا زمن الصفقة الكبرى. أيها العرب، لقد خبرتم ما هي أميركا وما هي "اسرائيل"، لكي تظلوا على عروشكم وفي بيوتكم، يفترض أن تفتحوا صدوركم  وصناديقكم، وحتى معابدكم، "للحاخامات". بمعنى آخر، لكي تكونوا عرباً، يفترض أن تكونوا أميركيين وأن تكونوا "اسرائيليين".

هنيئاً لسوريا برفع العقوبات، وبعضها يحتاج الى موافقة الكونغرس، ولكن أي شرع بعد الآن (وأي شريعة) بل واي سوريا؟ يقال لنا كونوا واقعيين ولو لمرة واحدة. الطريق الى واشنطن (والى أورشليم) هو الطريق الى الحياة. اي طريق آخر هو الطريق الى المقبرة. هذه هي غزة أمامكم...

كل ما في الأمر ابقوا جثثكم على قيد الحياة، ولا تدعوها في العراء طعاماً للغربان. متى لم يكن "الحاخامات"، وعلى مر الأزمنة، هم الغربان؟!

الأكثر قراءة

«رسالة» سعودية مرتقبة... فما الجديد بعد زيارة ترامب؟ طرابلس تعزز المخاوف في بيروت... وزحلة «ام المعارك» الضغوط مستمرة ولا جديد اميركي... وقلق من «اسرائيل»