اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ربما كان السلاح الاستراتيجي الأكثر فعالية لدى الايرانيين هو أعصابهم، اذ خبرناها في الصراع الديبلوماسي، ولا ندري اذا كانت أعصابهم ستنفجر اذا اندلع الصراع العسكري؟ أم سيتلقفون الضربة ليدخلوا وهم عراة، الى ردهة المفاوضات. ما يتردد داخل الأوساط الديبلوماسية والاعلامية الخليجية، أن الايرانيين الذين شلت الحرب الأخيرة القوة العملانية لحلفائهم، دفعوا باستعداداتهم الميدانية الى حدودها القصوى، ولن يترددوا في مواجهة الجنون الأميركي و"الاسرائيلي" بالجنون الايراني.

القيادة في طهران ترى أن المشكلة، ان مع واشنطن أو مع "تل أبيب"، ليست في البرنامج النووي، وفي ظل المراقبة الدقيقة والمنحازة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي لم تتجرأ يوما أن تطرق البوابة النووية في الدولة العبرية، كما أنها تعايشت مع القنبلة الهندية والقنبلة الباكستانية، وحتى مع القنبلة الكورية الشمالية التي على رمية حجر من لوس انجلوس .

المشكلة أن البيت الأبيض الذي خطط لاحتواء الشرق ألأوسط ، باعتباره الخاصرة الرخوة في أي صراع مستقبلي مع الصين حول قيادة الكرة الأرضية، لم يعد أمامه سوى "الحالة الايرانية" لادخالها في الحرملك الأميركي. أما "الاسرائيليون"، وباتجاهاتهم كافة، فهم يريدون تقويض النظام، وكذلك تفكيك الدولة، بعدما وعد بنيامين نتنياهو الهام علييف بـ"اعادة" اذربيجان الشرقية التي تبلغ مساحتها 47830 كيلومتراً مربعاً الى "البلد الأم"، وهي المنطقة التي ينتمي اليها المرشد الأعلى آية الله خامنئي، كما تعرف بثرائها الثقافي والطبيعي، لتعرف بـ"جنة الزنبق".

هذا ليس فقط رهان علييف أو نتنياهو، هو بالدرجة الأولى رهان رجب طيب اردوغان الذي يعتبر اذربيجان، وبالرغم من الأكثرية الشيعية فيها، لؤلؤة العالم التركي، حتى اذا انفصلت اذربيجان الشرقية، ومن ثم الأهواز، ثم انفصال البلوش والأكراد، قامت ايران الصغرى كدولة منسية في تلك الأدغال الآسيوية .

الطرح الأميركي بوقف تخصيب اليورانيوم هو في الحقيقة الطرح "الاسرائيلي" التعجيزي، حتى اذا رضخ آيات الله لذلك الطرح، فقد النظام حتى الحد الأدنى من الصدقية السياسية والاستراتيجية، وآل الى السقوط. في هذه الحال، تبقى المواجهة العسكرية بكل تداعياتها الكارثية أفضل بكثير، لا بل أن أميركا قد تقع في "حرب المستنقعات"، وهذا ما حذّر منه الجنرال ديفيد بترايوس لدى الخروج الفضائحي من أفغانستان.

الآن طبول الحرب تقرع حول ايران، التي يبدو أن قادتها أرادوا ابلاغ دونالد ترامب بالمواجهة، ليفاجأ بأنه كلما علت صيحات الحرب في واشنطن و"تل أبيب"، ازداد الأداء الديبلوماسي الايراني صلابة. والملاحظ هنا أنه، بالرغم من كل الاختراقات التي حققتها الأجهزة الاستخباراتية الأميركية و"الاسرائيلية"، داخل أهداف ايرانية حساسة، لم تتمكن من اختراق رؤوس القادة السياسيين والعسكريين الايرانيين، في حين لا تزال بلدان مجلس التعاون الخليجي تحذر الرئيس الأميركي من أي تفجير عسكري، يمكن أن تتحول معه المنطقة الى الجحيم .

اللافت في هذا السياق، أن بعض القيادات العراقية المعارضة بدأت تشيع بسقوط النظام في ايران بين ليلة وضحاها، ما يتيح الانقضاض على الميليشيات الموالية وتمزيقها، وحتى تغيير النظام في بلاد الرافدين، ليغدو طريق بغداد ـ دمشق مفتوحاً في اتجاه أورشليم. هكذا يحدث التغيير الحقيقي والشامل في الشرق الأوسط، بدل أن يبقى عالقاً في خيوط العنكبوت، لتتيلور أخيراً الرؤية التوراتية للمنطقة، وعلينا أن نتصور ماذا يمكن أن يحدث على الأرض اللبنانية .

لطالما وجهت أصابع الاتهام الى ايران باستخدام "أذرعها" لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والجيوستراتيجية في المنطقة. بعبارة اخرى القتال بجثث الآخرين، والتفاوض بجثث الآخرين. ولكن هذه المرة وقد تعرّت من حلفائها، لا سيما بعد وقوع الزلزال السوري، "النظام المقدس" أمام خطر البقاء أواللابقاء. الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة الوسطى، الذي يؤيد بقوة المواقف "الاسرائيلية"، قال أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، انه قدم للرئيس ترامب وكذلك لوزير الدفاع بيت هيغسيث، "مجموعة واسعة من يارات للقيام بعمل عسكري ضد ايران، اذا فشلت المفاوضات بشأن الاتفاق النووي".

وراء الضوء كلام عن أن كوريلا أبلغ البلدان المجاورة والحليفة بأن الخطط الموضوعة، والقابلة للتنفيذ الفوري، تؤدي الى شل القدرات الصاروخية لايران من الساعات الأولى (وهي التي فشلت في شل القدرات الصاروخية للحوثيين)، وكذلك تعطيل عمل المحطات الرادارية، مع التأكيد بأن رؤوس جميع أركان النظام، من السياسيين والعسكريين والدينيين، هم في متناول القاذفات الأميركية (كيف)؟

لكن ما يستشف من آراء خبراء عسكريين أميركيين هو عدم الاستخفاف بالامكانات العسكرية الايرانية، وبما يمكن أن يفعله الروس والصينيون لايقاع الولايات المتحدة في المصيدة ، بعدما أقيمت شبكات هائلة من الأنفاق في الجبال والأودية. ليبقى السؤال ماذا اذا انفجر الصراع بين أميركا (و"اسرائيل") وايران؟ بل وماذا اذا سقطت ايران؟ وان كانت الأبحاث التي تصدر عن المعاهد الأميركية المتخصص تكشف أن دونالد ترامب ما زال عند موقفه المعارض للفكرة "الاسرائيلية" بالضربة النووية؟

أمام ذلك المشهد الكوارثي، ودونه عقبات كثيرة (ومستحيلة)، نلاحظ مدى السذاجة لدى بعض القوى السياسية اللبنانية التي ترى أن نزع سلاح "حزب الله" هو السبيل لوقف الغارات الاسرائيلية، وللانسحاب من التلال الخمس، فيما المنطقة الآن أمام احتمالات زلزالية قد تغيّر الخرائط وقد تغيّر الدول.

الأكثر قراءة

ليكن الشرق الأوسط هو جهنم