اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في عمق تهامة الخضراء، حيث تتشابك خيوط الأرض المعطاء مع أسرار البحر الوافر، وتتجسد الذاكرة الشعبية في مواسم الحصاد وأهازيج الصيد العتيقة، ينهض سنويا "مهرجان القطيع".

هذا الحدث الثقافي الفريد، الذي يُعدّ واحدا من أبرز التظاهرات الفنية والتراثية في محافظة الحديدة اليمنية، لا يقتصر على كونه احتفالا عابرا، بل هو رحلة إلى وجدان الإنسان التهامي، ومسرح حيّ يُعيد رسم ملامح الهوية الأصيلة لهذه المنطقة العريقة، مُرسّخًا حضورها الحيوي في قلوب وعقول الأجيال المتعاقبة.

إنه دعوة مفتوحة للانغماس في عالمٍ حيث يصافح الماضي الحاضر، وتُروى الحكايات عبر رقصات وإيقاعات تتجاوز حدود الكلمات، وتُبصر الأصالة في كل تفصيلة.

إحياء لروح تهامة

يُشكّل "مهرجان القطيع" ملتقًى حرًا ومفتوحًا يُجسّد روح الإنسان التهامي في أبهى صورها، ويسلّط الضوء على التقاليد والمعارف المتوارثة التي ظلت حاضرة بقوة في أدق تفاصيل الحياة اليومية، من تقنيات الزراعة المبتكرة وأساليب الصيد التقليدية، وصولا إلى الأهازيج الشجية، والرقصات التراثية الأصيلة، والفنون الشعبية المتنوعة.

وينسج المهرجان لوحة متكاملة تعبّر عن غنى وعمق هذا الموروث، حيث تُقام فعالياته في أجواء شعبية خالصة تتداخل فيها الروح التهامية العفوية مع نبض المجتمع الحي، وتتغير ملامح الأماكن لتصبح مساحات للتعبير والعرض، وتستعرض ملامح الماضي التليد بلغة يفهمها ويستمتع بها أهل الحاضر.

لوحاتٌ حية من الفن والتراث

تتنوع الأنشطة التي يتضمنها "مهرجان القطيع" بين عروض تراثية، ورقصات شعبية، وليالٍ إنشادية، ورياضات تقليدية، وعروض فلكلورية تعكس الزخم الثقافي والتراثي الذي تمتاز به المنطقة، وتُقدَّم بأسلوب يستهوي الزوار من مختلف الشرائح والفئات.

ويحتضن المهرجان باقة غنية ومتنوعة من الفعاليات التي تُبهر الحضور وتُسافر بهم عبر الزمن، مُبرزة الزخم الثقافي والتراثي الذي تتميز به المنطقة:

الرقصات الشعبية الأصيلة: تُقدَّم بزيها التقليدي وإيقاعاتها المميزة، خاصة رقصات فرق "الزرانيق" الشهيرة التي تعكس حيوية ورشاقة الفن التهامي. وتبرز هنا "رقصة العُبدي" الفريدة، التي تُعدّ الواجهة الكبرى للمهرجان وأكثرها تميزًا، وهنا يوضح محيي الدين أنها "تُحاكي انتصارات مدينة القطيع العسكرية منذ أواخر القرن العاشر الهجري"، حيث يؤديها الرجال بحركات مذهلة باستخدام العصي مصحوبة بأشعار وأهازيج وطبول، تُجسّد مشاهد تضامن وصراع رمزي يعكس روح الانتصار والتحدي.

ليالٍ إنشادية صوفية: تُقام أمسيات خطابية وإنشادية تُبرز جماليات الفنون الصوفية التهامية، والتي تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمنطقة، وتستمر حتى منتصف الليل، لتقدم أناشيد وأهازيج ذات طابع روحي وثقافي عميق، تُلامس القلوب وتُغذّي الأرواح.

السباقات التراثية: لا تغيب عن المشهد مظاهر الفروسية والمروءة التي ميّزت البيئة التهامية. يحتضن المهرجان سباقات الهجن والخيول، بالإضافة إلى رياضة القفز على الجمال، التي تُشكل استدعاءً حيًا لرياضات الأجداد، وتُلهب حماسة الشباب والجمهور.

عروض الفولكلور الشعبي: في اليوم الأخير من المهرجان، تُقام عروض الفولكلور الشعبي، التي تشمل حكايات وأساطير وقصصًا تمثيلية تُبرز التراث الزراعي والثقافي لمدينة القطيع. تُقدَّم هذه العروض من خلال لوحات فنية واستعراضات حية، تُجسّد تاريخ المدينة الثقافي والزراعي وتُبرز إبداعات المجتمع المحلي في الحفاظ على هذا الإرث.

استعراضات الحياة اليومية: يُقدّم المهرجان استعراضات حية لطرق الزراعة القديمة، وأدوات الصيد التقليدية، وتقنيات حفظ المحاصيل والأسماك، في مشاهد بصرية تنقل الزائر إلى أعماق التاريخ المحلي، وتُعزّز فهمه لكيفية عيش الإنسان التهامي في الماضي.

الأزياء التراثية والمنتجات المحلية: يُعرّف المهرجان بجمال وتنوع اللباس التهامي التقليدي في عروض للأزياء التراثية. كما تُعرض المنتجات الزراعية والحرف اليدوية التي تشتهر بها المنطقة، مما يُسلط الضوء على الاقتصاد المحلي والموروث الحرفي.


الأكثر قراءة

زمن التسويات الثقيلة: لبنان يستعد لصفقة كبرى على حافة الانهيار؟ القوات تخسر معركة المغتربين... مخاوف من تعطيل المجلس