اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


رغم شيوع الحديث عن مقاومة الإنسولين في سياق مرض السكري من النوع الثاني، إلا أن هذا الاضطراب الاستقلابي يمكن أن يتواجد لدى الأطفال غير المصابين بالسكري، ويُعدّ مؤشرًا مبكرًا لحالات صحية أكثر خطورة مستقبلاً، مثل السمنة، وأمراض القلب، ومتلازمة التمثيل الغذائي. في كثير من الأحيان، لا يتم الانتباه إلى هذه الحالة في سن الطفولة بسبب غياب الأعراض الواضحة، ما يجعلها خطراً صامتاً يتطلب وعيًا أكبر من قبل الأهل ومقدّمي الرعاية الصحية.

مقاومة الإنسولين تعني ببساطة أن خلايا الجسم، وخصوصاً العضلات، والدهون، والكبد، لا تستجيب بشكل طبيعي لهرمون الإنسولين، مما يدفع البنكرياس لإفراز المزيد منه للحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن المعدلات الطبيعية. على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي هذا الجهد الزائد إلى إنهاك البنكرياس، وزيادة مخاطر الإصابة بالسكري وأمراض مزمنة أخرى. المقلق في الأمر أن هذه الظاهرة أصبحت شائعة بين الأطفال نتيجة أنماط الحياة الحديثة التي تتسم بالخمول، وزيادة استهلاك السكريات والأطعمة المعالجة، وانخفاض النشاط البدني.

تشمل أبرز العوامل التي تسهم في تطور مقاومة الإنسولين لدى الأطفال: البدانة، وخاصة السمنة الحشوية (تراكم الدهون في البطن)، والتغذية الغنية بالكربوهيدرات المكررة والمشروبات السكرية، بالإضافة إلى قلة الحركة. كما تلعب العوامل الوراثية دورًا مهمًا، إذ إن الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي لمرض السكري أو مقاومة الإنسولين يكونون أكثر عرضة للإصابة. ومن اللافت أن مقاومة الإنسولين قد تظهر حتى لدى الأطفال ذوي الوزن الطبيعي، خاصة إذا كانوا يعانون من نقص في النشاط البدني أو مشاكل هرمونية غير مشخصة.

وغالبًا ما تمر مقاومة الإنسولين دون ملاحظة، لكونها لا تسبب أعراضًا فورية واضحة. لكن قد تظهر بعض الإشارات التحذيرية، مثل زيادة محيط الخصر، تغيرات في الجلد كظهور بقع داكنة مخملية حول الرقبة أو تحت الإبط، ارتفاع ضغط الدم، وزيادة مفرطة في الوزن خلال فترة قصيرة. عند الاشتباه، يمكن إجراء تحاليل دم تشمل قياس نسبة الإنسولين الصائم، ومستوى السكر، وتحليل HOMA-IR لتقييم درجة المقاومة.

العلاج المبكر لمقاومة الإنسولين عند الأطفال لا يعتمد على الأدوية في أغلب الحالات، بل يرتكز بشكل رئيسي على تعديل نمط الحياة. ويشمل ذلك تحسين جودة النظام الغذائي من خلال تقليل السكريات والنشويات البسيطة، وزيادة استهلاك الألياف والبروتينات، إلى جانب تشجيع الطفل على ممارسة النشاط البدني بانتظام، حتى ولو بدأ بالمشي يوميًا أو الانخراط في رياضات يحبها. كما يُنصح الأهل بالتركيز على تحسين جودة النوم وخفض مستويات التوتر، فكلا العاملين يؤثران بشكل غير مباشر على حساسية الإنسولين.

من المهم أن يُنظر إلى مقاومة الإنسولين لدى الأطفال على أنها فرصة للتدخل المبكر لا للقلق المفرط. فعبر تغييرات بسيطة ومستدامة في نمط الحياة، يمكن قلب المعادلة وتحسين استجابة الجسم للإنسولين، بل ومنع تطور الحالات المرضية المرتبطة بها مستقبلاً. وهنا يظهر الدور المحوري للأهل في توعية أطفالهم، وتقديم بيئة داعمة وسليمة غذائيًا ونفسيًا.

أخيراً، فإن مقاومة الإنسولين لدى الأطفال، رغم كونها حالة غير معروفة على نطاق واسع، إلا أنها تستحق الانتباه والوقاية. فالتجاهل قد يؤدي إلى تبعات صحية طويلة الأمد، بينما الوعي المبكر والتدخل السليم يشكلان مفتاحا لحياة أكثر صحة واتزانًا في الطفولة والمراهقة وما بعدها.

الأكثر قراءة

زمن التسويات الثقيلة: لبنان يستعد لصفقة كبرى على حافة الانهيار؟ القوات تخسر معركة المغتربين... مخاوف من تعطيل المجلس