اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يشكل التوتر أحد أبرز التحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة في العمل، والعلاقات، والحياة الشخصية. وعلى الرغم من أن العديد من الناس يلجؤون إلى حلول سريعة مثل المنبهات أو المهدئات، إلا أن أحد أكثر الوسائل الطبيعية والفعالة في مواجهة التوتر هو الطعام. نعم، فاختياراتنا الغذائية تؤثر بشكل مباشر على كيمياء الدماغ، وعلى قدرتنا في التعامل مع الضغط النفسي والتقلبات المزاجية.

الجهاز العصبي المركزي، وخاصة الدماغ، يحتاج إلى مجموعة متكاملة من العناصر الغذائية ليعمل بكفاءة. فعلى سبيل المثال، الأطعمة الغنية بـالأحماض الأمينية مثل التربتوفان تساعد الجسم على إنتاج "السيروتونين"، وهو ناقل عصبي يُطلق عليه غالبًا "هرمون السعادة". ومن دون كميات كافية من هذا الهرمون، يميل الإنسان إلى الشعور بالحزن والتوتر والقلق. كما أن نقص فيتامينات B والمغنيسيوم يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات مزاجية، بما في ذلك العصبية والانفعال السريع.

إنّ بعض الأطعمة تحتوي على خصائص طبيعية مهدئة، ويمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تخفيف حدة التوتر. فعلى سبيل المثال، الشوفان الكامل يرفع من مستويات السيروتونين في الجسم ببطء وبشكل مستدام، ما يساعد في تحسين المزاج على مدار اليوم. كذلك، المكسرات مثل اللوز والجوز غنية بالمغنيسيوم، الذي يرتبط انخفاض مستوياته بزيادة القلق.

أما الشوكولاتة الداكنة، فهي ليست فقط لذيذة، بل ثبت علميًا أنها تقلل من مستويات هرمون الكورتيزول، المعروف باسم "هرمون التوتر". كما أن تناول الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين، الغنية بأحماض أوميغا 3، يُعد مفيدًا جدًا في دعم صحة الدماغ وتقليل الالتهابات المرتبطة بالتوتر المزمن.

من الجدير بالذكر أن التوتر يؤثر أيضًا على سلوكيات تناول الطعام. فكثير من الناس يميلون إلى "الأكل العاطفي"، أي تناول كميات كبيرة من الطعام الغني بالدهون أو السكر عند الشعور بالتوتر أو القلق. وعلى الرغم من أن هذه الأطعمة قد تُشعر الإنسان بالراحة الفورية، فإنها تؤدي لاحقًا إلى شعور بالندم، وقد ترفع من مستويات الالتهاب في الجسم، مما يُفاقم التوتر بدلاً من معالجته.

لذلك، فإن الوعي بأنواع الأطعمة التي نستهلكها عند الشعور بالضغط النفسي يُعدّ خطوة مهمة نحو التحكم بالتوتر بدلًا من الهروب منه. وتدريب النفس على اختيار البدائل الصحية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير على الصحة النفسية والجسدية على حد سواء.

رغم أهمية الطعام في دعم الصحة النفسية، إلا أنه ليس العامل الوحيد. ففعالية الغذاء في مكافحة التوتر تتعزز عند دمجه مع نمط حياة صحي يشمل النوم الكافي، وممارسة الرياضة، والتأمل أو اليوغا. كما أن التوازن في الوجبات وتجنب الكافيين الزائد والمشروبات السكرية يساعد في تنظيم المزاج والطاقة خلال اليوم.

فالطعام ليس مجرد وسيلة لإشباع الجوع، بل هو أداة قوية يمكن أن تسهم في تهدئة الأعصاب، وتخفيف التوتر، وتعزيز الصحة النفسية. من خلال اختيار الأطعمة الغنية بالعناصر المغذية والداعمة للجهاز العصبي، يستطيع الإنسان بناء درعٍ طبيعي يساعده على مواجهة الضغوط اليومية بكفاءة وهدوء. التغذية السليمة، إذًا، ليست رفاهية، بل ضرورة في زمن يتزايد فيه التوتر وتتصاعد فيه الضغوط.

 

الأكثر قراءة

الرد اللبناني امام "الروتوش الاخير"... اجتماع مطول للجنة الثلاثية والضمانات عقدة العقد اميركا تبلغ المعنيين : السير بالورقة أو تصعيد اسرائيلي لن نلجمه