اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في العقود الأخيرة، أصبح البلاستيك عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه في الحياة اليومية. إلا أن ما كان يُنظر إليه كمادة ثورية سهّلت حياة الإنسان، تحوّل إلى مصدر قلق بيئي وصحي متفاقم. ومع تراكم النفايات البلاستيكية في البيئة، ظهرت جزيئات متناهية الصغر تُعرف بـ"البلاستيك الدقيق"، وهي بقايا بلاستيكية لا يتجاوز حجمها 5 ميليمترات. ومع أن الأبحاث بدأت بتسليط الضوء على وجود هذه الجسيمات في الماء والغذاء والهواء، فإن ما بات يُثير القلق حاليًا هو دخول البلاستيك الدقيق إلى الجهاز التناسلي البشري، وتأثيره المحتمل على الخصوبة لدى النساء والرجال على حد سواء.

يصل البلاستيك الدقيق إلى الجسم البشري عبر مصادر متعددة، أبرزها المياه المعبأة والمأكولات البحرية والملح وحتى الهواء الذي نتنفسه. وقد أظهرت دراسات أن الإنسان قد يستهلك آلاف الجسيمات البلاستيكية سنويًا دون أن يشعر. وبمجرد دخول هذه الجسيمات إلى الجسم، قد تعبر الحواجز البيولوجية، لتصل إلى الأنسجة الحيوية مثل الرئتين، الكبد، وربما حتى المشيمة والأعضاء التناسلية.

في دراسات مخبرية حديثة، تم العثور على جزيئات بلاستيكية دقيقة في أنسجة الخصيتين والمبايض لدى حيوانات التجارب، كما رُصدت آثار لها في سائل الحيوانات المنوية. هذه الاكتشافات أثارت جدلًا علميًا واسعًا، كونها تُشير إلى أن البلاستيك الدقيق قادر على التغلغل في أنظمة الجسم العميقة، ومنها الجهاز التناسلي.

ويعتقد العلماء أن هذه الجزيئات قد تُحدث خللًا على مستوى الخلايا التناسلية، عبر إحداث التهابات، أو تحفيز الإجهاد التأكسدي، أو حتى تعطيل عمل الهرمونات الجنسية. مثل هذه التغيرات قد تؤثر على جودة البويضات، وعدد الحيوانات المنوية، ونسبة الخصوبة العامة.

رغم أن الأبحاث على البشر لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن المؤشرات الأولية تُثير القلق. فقد لاحظ باحثون انخفاضًا مستمرًا في جودة السائل المنوي عند الرجال على مدى العقود الماضية، فضلًا عن ارتفاع في معدلات العقم غير المبرر. ومع تزايد تراكم الجزيئات البلاستيكية في البيئة، فإن العلماء لا يستبعدون وجود علاقة بين هذه الظاهرة وتدهور الصحة الإنجابية.

وفي دراسة نشرت في مجلة علمية مرموقة عام 2023، تم الكشف عن آثار لبلاستيك دقيق في مشيمة نساء حوامل، ما يعني أن هذه الجسيمات لا تهدد فقط الخصوبة، بل قد تؤثر أيضًا على نمو الجنين وصحة الأجيال القادمة.

إذا ما تأكدت العلاقة المباشرة بين البلاستيك الدقيق وتراجع الخصوبة، فإن البشرية أمام تحدٍ حقيقي. فالمشكلة لا تتعلق فقط بالأفراد، بل بمجتمعات بأكملها قد تشهد تراجعًا في معدلات الإنجاب دون أسباب واضحة. ويزيد من خطورة الأمر أن التخلص من التعرض للبلاستيك بات شبه مستحيل في ظل انتشاره الواسع في المنتجات الغذائية، ومستحضرات التجميل، وحتى الهواء المحيط بنا.

رغم أن القضاء الكامل على التعرّض للبلاستيك الدقيق ليس ممكنًا في الوقت الراهن، إلا أن هناك خطوات يمكن اتخاذها لتقليل الضرر، مثل تجنّب استخدام عبوات المياه البلاستيكية، وتقليل استهلاك الأطعمة المصنعة والمعلبة، والاعتماد على منتجات طبيعية خالية من البلاستيك. كما يُوصى بدفع الحكومات نحو سنّ قوانين تُقلل من استخدام البلاستيك الأحادي وتحث على تدويره، إضافة إلى دعم الأبحاث العلمية لفهم التأثيرات طويلة الأمد لهذه الجزيئات على جسم الإنسان.

 

الأكثر قراءة

الرد اللبناني امام "الروتوش الاخير"... اجتماع مطول للجنة الثلاثية والضمانات عقدة العقد اميركا تبلغ المعنيين : السير بالورقة أو تصعيد اسرائيلي لن نلجمه