اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعد الحديد من العناصر الأساسية لصحة المرأة، حيث يلعب دورًا محوريًا في تكوين الهيموغلوبين، ونقل الأكسجين، ودعم المناعة والطاقة. وعلى الرغم من تناول كثير من النساء مكملات الحديد أو اتباع نظام غذائي غني به، إلا أن بعضهن يعانين من فقر دم مزمن لا يتحسّن، وهو ما يطرح تساؤلات حول الأسباب الأعمق وراء هذه الظاهرة. أحد أبرز هذه الأسباب، والذي لا يُسلّط عليه الضوء كثيرًا، هو سوء امتصاص الحديد الناتج عن نقص في الإنزيمات الهضمية.

إنّ نقص الإنزيمات الهضمية مثل البيبسين واللاكتاز والليباز والإنزيمات البنكرياسية – يؤدي إلى اضطراب في تحليل الطعام داخل الجهاز الهضمي، مما يعيق امتصاص المغذيات الحيوية، وعلى رأسها الحديد. فالحديد، وبخاصة الحديد غير الهيمي (الموجود في المصادر النباتية)، يحتاج إلى بيئة حمضية وإنزيمات معينة لتحويله إلى شكل يسهل امتصاصه في الأمعاء الدقيقة. وعندما تختل هذه البيئة، يتعذّر امتصاص الحديد حتى وإن كانت الكميات المتناولة كافية.

تُعتبر النساء أكثر عرضة لهذه الحالة لعدة أسباب؛ منها التغيرات الهرمونية التي تؤثر في إفراز العصارات الهضمية، واللجوء المتكرر للأنظمة الغذائية القاسية، أو تناول مضادات الحموضة لفترات طويلة. كما أن حالات مثل متلازمة القولون العصبي، أو فرط نمو البكتيريا في الأمعاء الدقيقة (SIBO) تؤثر بشكل مباشر في جودة الهضم وكفاءة الامتصاص، وتزيد من تعقيد المشكلة.

هذا وتتجلّى تداعيات سوء امتصاص الحديد في طيف واسع من الأعراض، تبدأ بالإرهاق المستمر، وشحوب البشرة، وتساقط الشعر، وصعوبة التركيز، وقد تتطور لتشمل اضطرابات في الدورة الشهرية، وضعف الجهاز المناعي، ونقص الطاقة النفسية والجسدية. والمقلق أن هذه الأعراض غالبًا ما تُفسَّر على أنها نتيجة "نقص تغذية عام" دون التنبّه إلى السبب الجذري المرتبط بضعف الامتصاص.

علاوة على ذلك، فإن تناول مكملات الحديد بجرعات عالية دون معالجة سبب سوء الامتصاص قد يؤدي إلى آثار جانبية مزعجة، مثل الإمساك، الانتفاخ، واضطرابات في المعدة، دون تحقيق الفائدة المرجوّة. ما يخلق حلقة مفرغة من الأعراض والتعب والتداخلات الدوائية غير المجدية.

لذلك، يُعدّ تشخيص الحالة بدقة أمرًا بالغ الأهمية. إذ ينبغي إجراء فحوصات شاملة لا تقتصر على قياس نسبة الحديد أو الفيريتين في الدم، بل تمتد لتقييم كفاءة الامتصاص، واختبار وجود التهابات مزمنة في الجهاز الهضمي، أو نقص في حمض المعدة، أو قصور في وظائف البنكرياس.

ويُوصى في مثل هذه الحالات باللجوء إلى خطة علاج شاملة، تشمل تحسين صحة الجهاز الهضمي من خلال دعم إنتاج الإنزيمات الطبيعية عبر مكملات متخصصة أو تحسين النظام الغذائي، مع تجنّب العوامل التي تضعف امتصاص الحديد، مثل الإفراط في شرب القهوة أو الشاي بعد الوجبات، أو تناول الكالسيوم في  الوقت نفسه مع الحديد. كما يُنصح باعتماد مصادر غذائية غنية بالحديد سهلة الامتصاص، مثل الكبد، والعدس، والسبانخ المطهوة، مع تناول فيتامين C لتحفيز الامتصاص.

في الختام، فإن سوء امتصاص الحديد بسبب نقص الإنزيمات الهضمية لدى النساء يمثل مشكلة صحية دقيقة تتطلب وعيًا أكبر من النساء والأطباء على حد سواء. التعامل معها لا يكون فقط بتناول مكملات الحديد، بل بفهم جذور المشكلة ومعالجتها من منطلق شمولي يعزز الهضم والامتصاص، ويُعيد للجسم توازنه الطبيعي، والطاقة التي يستحقها.

الأكثر قراءة

ردّ لبناني مُوحّد بانتظار بارّاك: الكرة في الملعب «الإسرائيلي» حزب الله يُؤكد الاستعداد للسلم كما للمواجهة... مصير غزة يتحدّد باجتماع نتنياهو ــ ترامب اليوم