منذ أربعة عشر قرنًا، رسم الإمام الحسين بدمه خارطة طريق لكل أحرار العالم، حين وقف في كربلاء مع ثلة من أهل بيته وأصحابه يواجهون جيشًا عرمرمًا مدججًا بالسلاح، لا لشيء إلا لأنه رفض بيعة الظلم والخنوع، وأبى أن يُشوَّه وجه الإسلام تحت حكم الطغاة. كان يعلم أن معركته، بمقاييس الأرض، خاسرة، لكن انتصاره الحقيقي تجاوز كل الجيوش والرايات؛ كان انتصارًا للمبدأ الذي لا يموت، ورسالة خالدة عبر الأجيال بأن الكرامة لا تُقايض، والحق لا يُساوم.
واليوم، بعد ١٤٠٠ عام، يقف أحفاد الحسين على مسرح التاريخ ذاته، وإن تبدلت الأسماء والوجوه. يقف أبناء مدرسته في لبنان وكل بقاع المظلومية ليواجهوا جيشًا جديدًا بعتاد أشد تطورًا وأساليب أكثر خسةً ومكرًا. لكن من يظن أن ذلك سيغيّر معادلة كربلاء، فإنه لم يفهم شيئًا من دروس التاريخ.
أمريكا، راعية آلة الإجرام الصهيونية، تراهن منذ سنوات على أن المقاومة في لبنان يمكن إخضاعها بالعقوبات والحصار والضغط السياسي. وإسرائيل، كيان الاستكبار والعدوان، تعتقد أن التهديد والدمار سيكسران إرادة من يقفون على حدودها حاملين السلاح. أما أدواتهما في المنطقة، من أنظمة وتيارات، فلا تزال تتحدث بعقلية يزيد ومعاوية، متوهمة أن أبناء الحسين قد يفرطون بسلاحهم، أو يسلمون راية جهادهم في لحظة وهن.
لكن الرهان على سقوط المقاومة لم يكن يومًا إلا سرابًا، وسقوطًا أخلاقيًا لمن ظنوا أن سلاحها مجرد قطعة حديد يمكن انتزاعها بورقة براك، المكلف الأمريكي بملف لبنان الذي حمل إلى الحكومة اللبنانية شروطًا قاسية وتهديدات سافرة بأن بقاء المقاومة وسلاحها سيجلب الدمار، وأن تسليم السلاح هو "الطريق الوحيد لتجنيب لبنان الكوارث". هؤلاء لم يدركوا أن هذا السلاح، الذي صُنِع بالدم والتضحيات، وحمى لبنان من الدمار أكثر من مرة، ليس خيارًا تكتيكيًا، بل جزء من عقيدة ووعي تاريخي بأن العدو لا يلتزم عهدًا ولا ميثاقًا، وأن الاستسلام يعني الذبح على أبواب البيوت كما حدث لكل الشعوب التي صدقت وعود المستعمرين.
من يقرأ عقلية المقاومة اليوم يدرك أنها، رغم كل التحديات، أقوى من أي وقت مضى. فهي لا تعتمد على السلاح وحده، بل على شبكة قوة سياسية، عقائدية، واجتماعية تجعلها محصنة من الداخل وقادرة على الصمود أمام أعتى العواصف. تدرك أن الطريق شاق وطويل، وأن مواجهة العدو ثمنها تضحيات جسام، لكنها في المقابل تعرف أن هذا الطريق هو السبيل الوحيد نحو السيادة والحرية.
ومن يراهنون اليوم على أن المقاومة قد تسلّم سلاحها، كمن يراهن على أن الإمام الحسين كان سيبايع في كربلاء؛ ولو كان الحال كذلك، لما حملت الأجيال رايته ١٤٠٠ عام، ولما بقي اسمه رمزًا للمقاومة في كل زمان ومكان.
إننا أمام مشهد شبيه بكربلاء: معسكر الحق، قليل العدد والعدة لكنه ثابت على مبادئه، ومعسكر الباطل، كبير العدة والسلاح لكنه هشّ في جوهره لأنه يقوم على الكذب والخداع. وقد أثبت التاريخ أن معسكر الحق، وإن خسر جولات عسكرية، ينتصر في النهاية لأنه يحمل شعلة المبادئ التي لا تنطفئ.
فلتكن كربلاء جديدة إن لزم الأمر؛ نموت واقفين وسلاحنا بأيدينا، خيرٌ ألف مرة من أن نُذبح كالنعاج في بيوتنا، أو نُحكم بقيود العبودية على أرضنا.
طريق الحق وعرٌ وشائك، لكنه وحده يقود إلى القمم. وأنتم ترونه بعيدًا، ونحن نراه قريبًا جدًا… والأيام والليالي بيننا.
يتم قراءة الآن
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:31
الممثل الإقليمي لمنظمة الفاو للجزيرة: فتح ممرات قليل جدا مقارنة بما يحتاجه قطاع غزة من مساعدات.
-
23:31
93 نائبا ديمقراطيا في رسالة لروبيو: تقديم مساعدات بشكل آمن وفعال للفلسطينيين التزام أخلاقي وضرورة لأمن إسرائيل.
-
23:01
أكاديمية العلوم الروسية: تسجيل 6 هزات أرضية جديدة قوتها بين 4.8 و6 درجات في شبه جزيرة كامتشاتكا بالمحيط الهادئ.
-
23:01
جيروزاليم بوست عن مصادر: حماس أبلغت الوسطاء أنها لن تدخل في مفاوضات حتى يتحسن الوضع الإنساني في غزة.
-
22:31
أشغال على جسر الهوم سيتي - جونية - المسلك الغربي وحركة المرور كثيفة ودراج من مفرزة سير جونية يعمل على تسهيل السير في المحلة.
-
22:08
الخزانة الأميركية: فرضنا عقوبات على عشرات شركات الشحن والناقلات والأفراد الذين يصدرون النفط من إيران وروسيا.*
