كيف نصنع وعيا سياسيا خارج الاصطفاف؟
في عالم عربي مثقل بالتجاذبات والانقسامات، غالبا ما تختزل السياسة في لعبة 《مع أو ضد؟》 حيث يطلب من الفرد أن يختار معسكرا، لا أن يفكر. وتصبح المواقف السياسية امتدادا للهويات الطائفية، أو العائلية، أو الحزبية البحتة، أكثر منها ثمرة وعي ونقد حر. فهل يمكن أن نخلق وعيا سياسيا خارج منطق الاصطفاف؟ وهل من الممكن أن نكون مواطنين لا تابعين؟
الوعي السياسي مسؤولية تبدأ من محاسبة الذات والاعتراف بأن الحقيقة لا يملكها أحد بالكامل، وأن الانتماء لا يجب أن يغلق الباب أمام التفكير الحر والنقد الذاتي.
الوعي السياسي ليس رأيا فقط ، بل مسؤولية ايضا، إذ أن كثيرون يعتقدون أن التعبير عن الرأي السياسي هو الوعي بعينه. لكن الواقع أن الوعي السياسي الحقيقي لا يبدأ من الرأي فقط بل من القدرة على طرح الأسئلة الصعبة لتحسين الأداء وإحداث الفرق المطلوب.
لماذا ندعم هذا الزعيم؟
ما هي خطة هذا الحزب؟ ماذا أنجز حتى الساعة؟
هل نحن كحزبيين ملتزمون سياسة الحزب ومنفتحون على الرأي الآخر؟
هل نقيم الوقائع من لوقت لآخر، أم نعيش في وهم الروايات وعلى امجاد الماضي؟
نحن نعيش غالبا في فقاعات فكرية، نسمع فقط من يشبهنا ونرفض من يختلف معنا، حتى دون أن نصغي إليه. وهذا ما تنتجه بيئة الاصطفاف أن نكون في جماعة ضد أخرى، لا في وطن واحد ولهدف واحد. وهنا تكمن أهمية الوعي السياسي تفاديا للمزيد من الانشقاقات الأفقية والعامودية المدمرة لهذا الوطن. هذا الوعي السياسي يتطلب كسر لهذه الفقاعات، بدءا بالقراءة الذاتية ومرورا بتغيير الأسلوب وصولا الى التعلم من الأخطاء والمحاسبة. فمثلا لا يجب رفض رأي الخصم السياسي بالمطلق بمجرد أنه في المقلب الآخر إذ لا يجب إطلاق الإتهامات جزافا على الإعلام وعلى السوشيل ميديا دون وقائع ملموسة، واكثر من ذلك هناك من يذهب إلى اتهام الخصم السياسي وإطلاق الأحكام المسبقة عليه قبل معرفة القضاء بحيثية الموضوع . إذا هذا النوع من التعاطي السياسي عقيم ولا يؤدي إلى إلى بناء دولة عصرية. فالكيد السياسي مدمر والإنغلاق الفكري مهدم والتعصب الديني جهل...
هنا لا بد من إحداث فرق في العمل السياسي والإنتقال من الانفعال إلى التحليل ومن الاصطفاف الأعمى إلى التواصل وتقبل رأي الآخر. مسؤولية الأحزاب كبيرة في هذا الامر، فبدلا من غسل دماغ الحزبي بطريقة عمياء، يجب تثقيفه سياسيا وتدريبه على أصول عيش المواطنة وفن التواصل مع شركائه في الوطن مهما تباعدت آرائهم السياسية.
الخطاب السياسي الشعبوي الذي يمارسه القيمون على الأحزاب يلعب دورا سلبيا في مسيرة قيام الدولة فيزيد من الاصطفاف الأعمى ويثير النعرات الطائفية ويغذي التقوقع المذهبي والانفعال القاتل أمام أي خوف وتهديد وتحريض و...
المطلوب هو التالي: الوعي السياسي والخروج من شرنقة الإصطفافات المميتة ففهم سياق الأحداث يؤدي إلى معرفة شاملة وبالتالي القرارات تكون شاملة. اما قراءة الأرقام الصحيحة ومن مصادر متنوعة تؤدي إلى بناء جسور الثقة بين الأطراف. فلغة التخوين والإتهامات تزول أمام الحقائق.
ما هو دور التربية والإعلام في بناء الوعي؟
لا يمكن أن نطلب وعيا سياسيا من شباب لم يتعلموا كيف يطرحون أسئلة، ولم يدربوا على التفكير النقدي في مدارسهم ولا يمكن أن نخلق مواطنين أحرارا في إعلام يمارس التجييش بدل التنوير.
الحل يبدأ من التربية على المواطنة، على حرية التعبير، على القيم المدنية، وعلى احترام الرأي المختلف والوعي السياسي.
الوعي السياسي لا يعني الحياد السلبي أو الإنسحاب من الشأن العام بل الإستقلالية وعدم الإنغماس المطلق في صفوف الأحزاب لكن المطلوب ليس أن نكون رماديين، بل أن نكون أحرارا أن ندعم قضايا العدالة بغض النظر عن من يحملها،أن ننتقد الفساد مهما كان لونه وأن نكون أوفياء للمبادئ، لا للأشخاص. يجب أن نميز بين الشعار والحقيقة، بين المظهر والجوهر وبين الخير العام والمصلحة الضيقة. حين نفكر بهذا الأسلوب، نصبح مواطنين لا مجرد جمهور يصفق.
السياسة ليست ساحة صراعات، بل أداة لتنظيم شؤون الناس وتحقيق العدالة.
حين نعيد السياسة إلى معناها الحقيقي، ونعيد الإنسان إلى مركز القرار، نصنع وعيا سياسيا يليق بمواطن حر… لا مجرد تابع.
يتم قراءة الآن
-
ايجابيات وسلبيات التعميمين 158 و166 غبريل للديار : اتخذ مصرف لبنان قرار رفع سقف قيمةً السحوبات لان الحل الشامل للودائع متأخر
-
بري الذي أذهل المبعوث الأميركي
-
برّاك يطرح تسوية صعبة والحكومة على مفترق طرق تحويلات المغتربين تبقي الاقتصاد حيًّا رغم الأزمات انطلاق الامتحانات الرسمية وسط احتجاجات وتحديات تربوية
-
بيروت تــُحاور و«إسرائيل» تقصف... هل نثق بالدبلوماسية الأميركية؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
10:55
القوات المسلحة اليمنية: نعمل على توسيع عملياتنا الإسنادية بالضربات الصاروخية على الأهداف العسكرية والحيوية في فلسطين المحتلة وكذلك ما يتعلق باستمرار الحصار البحري
-
10:55
القوات المسلحة اليمنية: ستستمر عملياتنا العسكرية حتى وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها
-
10:53
القوات المسلحة اليمنية: مستمرون في تطوير قدراتنا وإمكاناتنا وبما يعزز من دورنا في هذه المعركة دعماً وإسناداً للشعب الفلسطيني المظلوم
-
10:52
القوات المسلحة اليمنية: العملية العسكرية حققت هدفها بنجاح ودوت صفارات الإنذار في أكثر من 300 بلدة ومدينة
-
10:52
القوات المسلحة اليمنية: العملية دفعت ملايين الصهاينة إلى الملاجئ ووقف حركة الملاحة في مطار اللد
-
10:51
القوات المسلحة اليمنية: نفذنا عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة بصاروخ باليستي نوع "ذوالفقار"
