اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعد الملح من المكونات الأساسية في النظام الغذائي اليومي لمعظم الناس، فهو يُضفي نكهة مميزة على الطعام، كما يؤدي دورًا حيويًا في تنظيم توازن السوائل داخل الجسم. إلا أن الإفراط في تناوله يرتبط بالعديد من المشكلات الصحية الخطرة، وعلى رأسها ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، مؤخرًا تزايدت الأدلة العلمية التي تربط بين الاستهلاك المفرط للملح وزيادة خطر الإصابة بسرطان المعدة، ما يسلط الضوء على أهمية الاعتدال في استخدامه.

تشير دراسات متعددة إلى أن تناول كميات كبيرة من الملح يوميًا يؤدي إلى تهيّج بطانة المعدة، ويضعف قدرتها على مقاومة البكتيريا الضارة، وخصوصًا بكتيريا الهليكوباكتر بيلوري، التي تُعد أحد أبرز مسببات سرطان المعدة. فوجود هذه البكتيريا إلى جانب بيئة معدية عالية الملوحة يخلق ظروفًا مثالية لتحوّل الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية على المدى الطويل. كما يُساهم الملح في تعزيز الالتهابات المزمنة داخل الجهاز الهضمي، وهي عامل آخر مرتبط بظهور الأورام.

من الفئات الأكثر عرضة للتأثر بالمضاعفات الناتجة من الإفراط في تناول الملح: الأفراد الذين يعتمدون على الأطعمة المعالجة والمحفوظة مثل اللحوم المُعلبة والمخللات والوجبات السريعة، حيث تحتوي هذه المنتجات على نسب مرتفعة من الصوديوم المضاف. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر بعض الفئات الجغرافية والثقافية أكثر عرضة من غيرها، كالمجتمعات التي تعتمد بشكل تقليدي على حفظ الطعام بالتمليح، مثل بعض الدول الآسيوية، والتي تُسجّل نسبًا مرتفعة من حالات سرطان المعدة سنويًا.

هذا ولا تتوقف التأثيرات السلبية للمبالغة في تناول الملح عند حدود الجهاز الهضمي فحسب، بل تمتد لتؤثر في الكلى ووظائف القلب والأوعية الدموية. كما أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي، أو لديهم تاريخ عائلي للإصابة بسرطان المعدة، يكونون أكثر تأثرًا بالتأثيرات المسرطِنة للملح، خصوصًا إذا كان استهلاكه مفرطًا ومستمراً.

للوقاية من هذه المخاطر الصحية الخطرة، تُوصي منظمة الصحة العالمية بتقليل استهلاك الملح إلى أقل من 5 غرامات يوميًا، أي ما يعادل ملعقة صغيرة تقريبًا. وقد تبدو هذه الكمية ضئيلة، إلا أن معظم الأشخاص يتجاوزونها بسهولة دون إدراك، خصوصًا من خلال الأطعمة الجاهزة والمُعالجة التي تحتوي على كميات مرتفعة من الصوديوم المضاف.

ولذلك، يُنصح بالتحوّل نحو نظام غذائي يعتمد على الأطعمة الطازجة والطبيعية، مثل الخضراوات والفواكه والبقوليات والحبوب الكاملة، مع تجنّب المنتجات الصناعية والمُعلبة مثل اللحوم الباردة، المخللات، الأجبان المالحة، والوجبات السريعة، والتي تُعد من أبرز مصادر الصوديوم الخفي.

كما تُعد قراءة الملصقات الغذائية بعناية خطوة ضرورية، إذ يساعد ذلك في التحقق من محتوى الصوديوم في المنتج، ومقارنته مع البدائل الصحية. ويُنصح باختيار المنتجات التي تحتوي على ملصق "منخفض الصوديوم" أو "خالٍ من الملح المضاف" كلما أمكن.

ومن البدائل الذكية والفعالة للملح، استخدام الأعشاب الطبيعية والتوابل مثل الزعتر، الريحان، الكركم، الكمون، الثوم، والبصل المجفف، والتي تضيف نكهات لذيذة ومميزة دون الإضرار بالصحة. كما يمكن استخدام عصير الليمون أو الخل الطبيعي لإبراز طعم الأطعمة دون الحاجة إلى زيادة الملح.

إضافة إلى ذلك، يُفضَّل تجنب عادة إضافة الملح أثناء الطهي أو على المائدة، ومحاولة تدريب الحاسة الذوقية على التكيّف مع المذاق الأقل ملوحة تدريجيًا، لأن التغييرات الصغيرة والمستمرة في العادات الغذائية يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا على المدى الطويل.

أخيراً، قد يبدو الملح عنصرًا بسيطًا لا يستحق القلق، إلا أن تأثيراته التراكمية على المدى البعيد قد تكون مدمّرة. إن التوعية بأضرار الإفراط في تناوله، وتبني أساليب غذائية صحية ومتوازنة، يمكن أن يساهما في الوقاية من أمراض مزمنة وخطرة، مثل سرطان المعدة، ويعززان جودة الحياة على المدى البعيد.

الأكثر قراءة

بري الذي أذهل المبعوث الأميركي