اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


توتر المعدة ليس مرضًا عضويًا بحد ذاته، بل هو عرض جسدي شائع يرافق الإجهاد النفسي والضغوط العاطفية، ويُترجم غالبًا على شكل ألم، انقباض، غثيان، أو حتى اضطرابات هضمية مزمنة. ويعكس هذا التوتر العلاقة العميقة والمعقدة بين الدماغ والجهاز الهضمي، حيث تتأثر المعدة بشكل مباشر بالحالة النفسية والعاطفية للفرد.

في كثير من الأحيان، لا يُدرك الشخص أن انزعاجه المعوي أو الألم الذي يشعر به في معدته قد يكون نتيجة لتوتر أو قلق، فيبدأ رحلة البحث عن أسباب عضوية، ويخضع لسلسلة من الفحوصات التي لا تكشف عن وجود خلل جسدي واضح، بينما تكون المشكلة في جذورها نفسية، جسدية.

من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى توتر المعدة هو الضغط النفسي المزمن، سواء كان ناتجًا من العمل، المشاكل العائلية، القلق المستمر، أو الصدمات العاطفية. عند الشعور بالتوتر، يفرز الجسم هرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول، وهي هرمونات تُعدّ الجسم لحالة "القتال أو الهروب"، وتؤثر بشكل مباشر في الجهاز الهضمي.

تؤدي هذه التغيرات إلى تقليص تدفق الدم إلى المعدة، وإبطاء حركة الأمعاء، وزيادة إفراز الأحماض المعدية، مما يسبب أعراضًا واضحة مثل الحموضة، الغثيان، الانقباضات، فقدان الشهية أو حتى الإسهال. كما أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق العام أو القولون العصبي غالبًا ما يشكون من أعراض مستمرة لتوتر المعدة نتيجة التفاعل العصبي المفرط بين الدماغ والجهاز الهضمي.

تؤدي المعدة المتوترة، إن تُركت دون معالجة، إلى سلسلة من التداعيات الصحية والنفسية. على المستوى الجسدي، يمكن أن يعاني المريض من نقص امتصاص العناصر الغذائية بسبب الاضطراب المستمر في عملية الهضم، مما يؤدي إلى الإرهاق المزمن، ضعف المناعة، وتساقط الشعر. كما أن زيادة الحموضة المعدية قد تؤدي إلى التهابات في جدار المعدة أو حتى قرحة، إذا ترافق التوتر مع عادات غذائية سيئة أو الإفراط في تناول المسكنات.

أما على الصعيد النفسي، فإن الألم والانزعاج المتكرر قد يسببا حالة من القلق المستمر أو الاكتئاب الخفيف، مما يخلق حلقة مفرغة يصعب كسرها: التوتر يسبب الألم، والألم يغذي التوتر. وهذا ما يجعل من الضروري التعامل مع توتر المعدة كمشكلة شاملة تحتاج إلى تدخل على المستويين النفسي والجسدي.

هذا ويبدأ العلاج دائمًا بالتشخيص الدقيق واستبعاد الأسباب العضوية، ثم الاعتراف بأن الحالة قد تكون ناتجة من التوتر النفسي. يُنصح باتباع نمط حياة صحي يشمل ممارسة الرياضة، تنظيم النوم، الابتعاد عن المنبهات، وتناول وجبات خفيفة ومتوازنة. كما يُعدّ التأمل وتمارين التنفس العميق واليوغا أدوات فعالة لتقليل التوتر العصبي.

في بعض الحالات، قد يحتاج المريض إلى دعم نفسي من خلال العلاج المعرفي السلوكي، أو استخدام أدوية مهدئة خفيفة تحت إشراف طبيب مختص. والجدير بالذكر أن دور العلاقة مع الطعام مهم جدًا في تخفيف الأعراض، إذ ينبغي تجنب الوجبات الدسمة والتوابل الحارة والأطعمة التي تزيد من الحموضة.

إلى ذلك، إنّ توتر المعدة هو رسالة يوجهها الجسد عندما لا يستطيع التعبير عن الضغوط التي يمر بها العقل. ورغم أن أسبابه نفسية في جوهرها، فإن آثاره جسدية بامتياز. لذلك، فإن الاستماع إلى هذه الإشارات والتعامل معها بوعي، يشكل الخطوة الأولى نحو الراحة والشفاء. لا ينبغي تجاهل توتر المعدة، فهو ليس مجرد "ألم عابر"، بل مؤشر على اختلال أعمق يحتاج إلى رعاية شاملة للجسم والعقل معًا.

 

الأكثر قراءة

بري الذي أذهل المبعوث الأميركي