اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


غالبًا ما يُنظر إلى دهون البطن باعتبارها مجرد عائق جمالي، خاصةً في عالم تسوده معايير صارمة للجسم المثالي. غير أن العلم الحديث يكشف أن تراكم الدهون في منطقة البطن، وخصوصًا الدهون الحشوية العميقة، يمثل خطرًا صحيًا حقيقيًا. فهذه الدهون ليست خاملة كما يبدو، بل تُفرز مواد التهابية وتؤثر في وظائف أعضاء الجسم الحيوية، وقد تكون مؤشرًا على مشكلات صحية خفية لا تظهر إلا في مراحل متقدمة.

من أبرز الإشارات الصحية التي ترتبط بدهون البطن هي مقاومة الإنسولين، وهي الحالة التي يفقد فيها الجسم تدريجيًا قدرته على استخدام الإنسولين بفعالية. وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مقدمة السكري أو السكري من النوع الثاني. لا يشعر معظم الأشخاص بأعراض واضحة في البداية، لكن استمرار تراكم الدهون حول البطن يُعد دلالة واضحة على أن الجسم يُصارع للحفاظ على توازنه السكري.

تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من تراكم الدهون في منطقة البطن غالبًا ما يظهر لديهم اختلال في مستويات الكوليسترول، حيث ينخفض الكوليسترول الجيد (HDL) وترتفع مستويات الكوليسترول الضار (LDL) والدهون الثلاثية. هذا التوازن المختل يزيد من احتمالية ترسّب الدهون داخل الشرايين، مما يمهد الطريق نحو أمراض القلب وتصلب الشرايين.

من المؤشرات الخطيرة التي ترتبط بدهون البطن كذلك هو ارتفاع ضغط الدم، والذي يُعرف بالقاتل الصامت. فالدهون الحشوية تفرز مركبات ترفع من نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي، ما يؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية ورفع ضغط الدم تدريجيًا. ومن دون الكشف المبكر أو المتابعة الطبية، قد يظل هذا الارتفاع مستترًا حتى يُحدث مضاعفات في القلب أو الكلى.

إنّ الدهون المتراكمة في البطن ليست مجرد خلايا تخزين، بل هي خلايا نشطة تُفرز سيتوكينات التهابية ترفع من درجة الالتهاب المزمن في الجسم. هذا النوع من الالتهاب لا يُلاحظ في الحياة اليومية، لكنه مع الوقت يُضعف المناعة، ويُسرّع من شيخوخة الخلايا، وقد يرتبط بظهور أمراض مزمنة مثل السرطان وألزهايمر.

قد يُفاجَأ البعض بأن دهون البطن مرتبطة أيضًا باضطرابات في الهضم. فمع ازدياد الضغط داخل تجويف البطن، تزداد فرص الإصابة بالارتجاع المعدي المريئي أو عسر الهضم، وقد يشعر الشخص بنفخة مزمنة أو انزعاج بعد تناول كميات صغيرة من الطعام. كل ذلك نتيجة لتأثير الدهون على الضغط الداخلي ووظائف الأعضاء المحيطة.

ومن المؤشرات التي لا يُلتفت لها كثيرًا، أن الدهون الزائدة حول البطن قد ترتبط بتوقف التنفس أثناء النوم، وهي حالة تنقطع فيها أنفاس الشخص لثوانٍ متكررة خلال الليل. هذا الأمر لا يؤدي فقط إلى التعب وضعف التركيز في النهار، بل يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والجلطات.

وأخيرًا، فإن العلاقة بين دهون البطن والصحة النفسية لا تقل أهمية. فقد رُبط تراكم الدهون في هذه المنطقة بارتفاع مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر)، والذي يؤدي إلى تقلبات مزاجية، ويمهد الطريق نحو القلق والاكتئاب. من جهة أخرى، فإن القلق النفسي بدوره قد يعزز من إفراز الكورتيزول، مما يُغذي الحلقة المفرغة لتراكم الدهون مجددًا.

 

الأكثر قراءة

بري الذي أذهل المبعوث الأميركي