اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في العام 1994، احتفلت نقابة المحامين في بيروت، في عهد النقيب الشيخ ميشال خطار، باليوبيل الماسي للنقابة، لمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيسها. وصدر الكتاب الماسي، وتضمن مقالة لرئيس الحكومة المرحوم سامي الصلح الذي كان محامياً فقاضياً قبل ان يترأس الحكومة. وجاء فيها:

"وبعد 22 عاماً قضيتها في السلك القضائي قبل انتخابي في البرلمان ثم تحميلي مسؤولية الحكم، فضلاً عن ربع قرن في المحاماة. ونتيجة الخبرة الطويلة في هذه الميادين كنت من مؤيدي الاخذ بنظام المحلفين، فيلجأ طالب العدل الى اختيار قضاته الطبيعيين. فقضية عمل يكون حلها اضمن في يد قاض يعاونه عامل ورب عمل، وكذلك بالنسبة الى الاجور بين المالك والمستأجر، والامر مشابه بالنسبة الى التجار والصناعيين والاطباء. ومن اولى البديهيات ان تحاكم امرأة امرأة وبصفتي اول مناد لحقوقها المدنية كنت وما ازال اصر انه من الطبيعي ان تحتل مع الرجل المراكز الحيوية الحساسة".

وفي زمن الانتداب كان المفتش الفرنسي يحضر احياناً جلسات المحاكمات، ويجلس الى جانب القاضي الاول ليشرف عن كثب على سير المحاكمات. وكانت هذه الطريقة المتبعة المخالفة للقوانين في فرنسا ذاتها تؤمن حسب وجهة نظر الانتداب المزيد من العدل، غير انها كانت تمس بكرامة القضاة. واتفق ذات يوم ان دخل المفتش الفرنسي علي اثناء انعقاد الجلسات في قاعة محكمة الجنايات فما كان مني الا ان وقفت وقدمت كرسياً باحترام للمفتش. وبدل ان اجلس على كرسي آخر نزعت عني ثوب القضاة ورميته، ففوجئ بما حصل وقلت له بالفرنسية "تفضل واحكم مكاني". كانت هذه الحادثة كافية لصرفي من الخدمة، وبالتالي لاقلاع الانتداب عن السماح للمفتشين الفرنسيين الدخول الى قاعة المحاكمات. ولم اكن اخشى السلطة المنتدبة، برغم احالتي على المجلس التأديبي، بسبب رفضي سماع مرافعة باللغة الفرنسية بحجة ان اللغة العربية هي الرسمية برغم ان الفرنسية كانت تعتبر رسيمة ايضا وكان معمولا بها. وقررت الا اقبل دفاعا بعد اليوم الا باللغة العربية وكان ذلك تحديا سافرا للسلطة المنتدبة غير انه تم صرف النظر عن قرار الاحالة الى المجلس التأديبي لاسباب سياسية وطنية.

"خلال الحرب الكونية الثانية، واثناء ترؤسي لمحكمة الجنايات، كان القانون العسكري يحظر نقل الطحين، فمثل امامي يوما رجل متهم بنقل شوال من الطحين. فطلب المدعي العام تطبيق العقوبة عليه. للحال خطر لي ان اسأل المتهم عن القصد من نقل شوال الطحين. فأجاب بأنه رب عائلة فقيرة والقصد من ذلك اعالة اولاده. فتابعت الاستجواب وسألته اذا كان ينقل قنابل او اسلحة او يهرب ذهبا؟ فاجاب بالنفي. لم يكن في نفسي شك في انه ليس عدلا الهيا او انسانياً ان يعاقب شخص اشترى كمية من الدقيق وهربها لانتزاع عائلته من اشداق الجوع، فحكمت ببراءته وضربت بالقانون عرض الحائط واحدث الحكم ازمة في الجلسة وخارجها.

"وهنا ليس المقصود الخروج عن النص القانوني بقدر ما يجب ان يكون هذا النص ترجمة حقيقية للواقع الانساني للمجتمع وظواهره فيأتي التشريع عندئذ لمصلحة العدالة وليس على حساب الشعب.

وفي هذا المجال لا بد من التذكير بأن واجب القاضي الا يعمل في برجه العاجي، بل عليه ان يظهر معرفة بالطبيعة البشرية، والا عجز عن اداء مهمته حتى لو توافر لديه عامل حسن النية".


                                                                          نقيب المحامين السابق في بيروت

الأكثر قراءة

جهد رئاسي للوصول الى صيغة توافقيّة لحصريّة السلاح... وإلّا المجهول؟ حزب الله يزور عون في الرابية الاثنين... ولقاء قريب مع جنبلاط الانتخابات النيابيّة مفصليّة: الحريريّون باشروا التحضيرات... وتحالف «الاشتراكي» و«القوات»