اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



الحب والخطيئة، كلمتان تختصران الكثير من صراعات الإنسان الداخلية. بين النقاء والانحراف، بين السمو والسقوط، بين ما يرفعه إلى فوق، وما يجره إلى القاع. هما وجهان لحقيقة الوجود البشري، لا يفترقان، بل يتداخلان في تفاصيل الحياة اليومية، ويكشفان عمق التجربة الإنسانية.

الحب هو الطاقة التي بها وجد الكون. هو تلك الشعلة التي تدفئ القلب وتحرك الضمير وتنعش الروح. بالحب يولد الإنسان، وبالحب يزدهر، يضحي، يعطي، ويغفر. الحب الحقيقي لا يسعى إلى التملك، بل إلى الحرية. لا يطفئ نور العقل، بل يضيئه. هو الترجمة الصافية لإنسانيتنا، حين   نحب الآخر كما هو، لا كما نريد له أن يكون. الحبّ هو نفس الله في قلب الإنسان. هو النور الأول الذي خلقنا منه، والوصية الأسمى التي كتبت في أعماق كياننا قبل أن تكتب على أي حجر.

لكن الإنسان، في ضعفه، يخلط أحيانا بين الحب والخطيئة. فيطلق اسم الحب على شهوة عابرة، أو على تملك أناني، أو على علاقة مبنية على المصلحة أو الهروب من الوحدة. حين يبتعد الحب عن الحق، يتحول إلى خطيئة ويستخدم للتلاعب أو للسيطرة أو للإيذاء فيفقد جوهره ويتحول إلى نقيضه.

إذا الخطيئة ليست دائما عملا خارجيا فحسب، بل تبدأ من الداخل،أصلها صالح حب بديهي، ولكن الإنسان يعريها ليجعلها نافرة ومؤذية. من نيات القلوب الظلماء تخرج ومن أنانية دفينة تسيطر ومن كذب اسود تسود مقنعة بعواطف بيضاء. وحين يدخل الإنسان في هذا المسار، يبرر، يقنع نفسه أنه يحب وهو في الحقيقة يجرح، يخدر ضميره، ثم يتألم من فراغ روحي لا يملؤه شيء. إذا  الخطيئة ليست فقط فعلا ضد وصية، بل هي خيانة لصورة الله فينا. هي انغلاق القلب على أنانيته، وتمرد على طريق النور. إذا، الخطيئة تطفئ جمر الحب، وتدخلنا في عتمة لا نعود نرى فيها وجه الإنسان ولا وجه الله. وكم من علاقات بدأت باسم الحب وانتهت بجراح نازفة، لأننا أحببنا خارج الحق وخارج النور وخارج الحرية.

لكن في قلب هذا الصراع، تبقى هناك فرصة للخلاص. الحب الحقيقي لا يلغي وجود الخطيئة، لكنه يضيء عليها ليكشفها ويشفيها. الإنسان مدعو أن يحب، لكن أن يحب كما أراده الله أن يحب، بصدق، بحرية وبطهارة. والخطيئة، رغم ألمها، يمكن أن تكون مدخلا للندم، للتوبة وللتغيير.

الحب والخطيئة يتشابكان في حياة الإنسان، لكن الخيار يبقى لنا، إما أن ندع الحب يرفعنا نحو النور، أو أن نسمح للخطيئة أن تطفئ فينا هذا النور. الحب لا يعادي الحقيقة، بل يتجذر فيها. ومن يسلك طريق الحب الحقيقي، يسلك طريق التخلي عن الأنانية، ويبتعد عن الخطيئة المغرية فيمتهن الغفران، ليعود بعدها الى جوهره في قلب الله.

الأكثر قراءة

جهد رئاسي للوصول الى صيغة توافقيّة لحصريّة السلاح... وإلّا المجهول؟ حزب الله يزور عون في الرابية الاثنين... ولقاء قريب مع جنبلاط الانتخابات النيابيّة مفصليّة: الحريريّون باشروا التحضيرات... وتحالف «الاشتراكي» و«القوات»