اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في السادس والعشرين من تموز توقف قلب زياد الرحباني، الذي عاش عمره في لعبة يومية مع الموت، الذي لازمه منقلباً على "الخندق" الذي عاش فيه وانضباطية الحياة، متنقلا بين يسار حدّ التطرف وايمان حدّ التصديق.
كان شيئاً خرافياً ان يولد من رحم الرحابنة عاصي ومنصور وفيروز فتى ممزقاً بالجدل، ومستشكلاً بالحوار، فصديقه الله منذ الصغر، حاملا ملامح فتى تجاوز رفاهية الطفولة الى عباءة الدراويش والمعذبين في الارض.
هكذا يقف زياد كرجل متأهل من الفلسفة والاجتماع والنضال السياسي بتشعباته، ومتأهل من الفن معاً دون افضلية غربية على عربية ، وبعيداً عن ديبلوماسية المصطلاحات، لم يكن لزياد هاجس من الجمع بين كل هؤلاء، لتتكون بذلك شخصيته العبقرية.
عام 1975 كان تاريخ بداية الحرب الاهلية اللبنانية، وهو تاريخ انحياز زياد الفكري والسياسي، فأمسك بأجهزة الراديو في "صوت الشعب"، ليتكشف طريقه الى الجنوب وسمائه المثقوبة بآلاف الصواريخ والطائرات، ومن هناك الى زهرة المدائن فلسطين.
ابان الحرب الاهلية آمن زياد بالمعجزات من كل مكان من الله ومن الشعب، وابطال الشوارع من القوميين والجهاديين والعروبيين والشيوعيين، لكنه كان يدرك ايضا ان جميع معجزات الولايات المتحدة هي معجزات "توراتية اسرائيلية" و"فيلم اميركي طويل".
في مسرح زياد وقتذاك، كنا على موعد مع الحقيقة التي خاف اللبنانيون منها، وكان مطلوبا منه ان يكون اكثر من ملحن وممثل ومؤلف، ان يكون ملهماً ومنوراً ومؤثراً بجيل سار على ما سار عليه.
مذهل زياد في مسرحه، ففيه تاريخ من العصيان والتمرد والخروج عن القانون والاعراف، والاعجب انك عندما تستمع اليه، يستطيع ان يأخذك ويحميك ويوحدك ويوجهك ويغسلك من غبار الطائفية، ولو لساعة من الزمن.
بعد اتفاق الطائف حاول البعض شراء مواقفه وضمه الى دولتهم، عبثاً فزياد في الاصل يبحث عن وطن، ويبحث عن هوية قبل الدولة، لكنه شكل لوحده حكومة ظل او حكومة منفى، وقدم للوطن المكسور عكازين، عكازاً من الموسيقى المتفردة وعكازاً من القلم، الذي مر على "السفير" و"الاخبار".
بعد تحرير الجنوب عام 2000 اخذت الثورة بعداً آخر في فكره، ووضعته في حرب تموز 2006 بحالة استثنائية، ومنحته لحظات من الحنين الى الانتصار. كان مستمتعاً ومنتشياً ومنفعلاً بلحظات الصدق، التي لم تحدث في حياة الامة منذ بداية انحطاطها العربي.
لم يكن لزياد يد في سقوط فلسطين ولا سوريا، ولا سقوط القومية ولا الماركسية ولا العروبة، لكنه ما استقال من همومه وآلامه وآماله، وانبرى مدافعاً عن القضية حتى المنية.
خمسون عاماً وما يزيد وهو يبحث عن بلاده المسروقة. شكل زياد الرحباني حزبه الخاص، حزب الذي يبحثون عن الحب وعن العدل وعن الشعر وعن الموسيقى وعن انفسهم وعن الله.

 

الأكثر قراءة

جهد رئاسي للوصول الى صيغة توافقيّة لحصريّة السلاح... وإلّا المجهول؟ حزب الله يزور عون في الرابية الاثنين... ولقاء قريب مع جنبلاط الانتخابات النيابيّة مفصليّة: الحريريّون باشروا التحضيرات... وتحالف «الاشتراكي» و«القوات»