في يوم الأربعاء، اهتزّت الأرض في أقصى شرق روسيا بقوة غير معهودة، عندما ضرب زلزال عنيف بلغت شدته 8.8 درجات على مقياس ريختر سواحل شبه جزيرة كامتشاتكا، ليصنّف كواحد من أقوى الزلازل المسجّلة في التاريخ. هذا الحدث الجيولوجي لم يكن مجرّد اهتزاز أرضي عابر، بل شكّل لحظة فاصلة أعادت تسليط الضوء على العلاقة المقلقة بين التغير المناخي والنشاط الزلزالي المتزايد.
زلزال كامتشاتكا: الهزة التي دوّت عبر المحيط الهادئ
بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وقع الزلزال على عمق 18 كيلومتراً فقط، وهو ما يُعد ضحلاً نسبياً، الأمر الذي جعل تأثيره أكثر تدميراً. تسبّب الزلزال بتوليد موجات مدّ عاتية (تسونامي) تراوحت ارتفاعاتها بين 3 إلى 4 أمتار، مما استدعى إطلاق تحذيرات واسعة من تسونامي شملت سواحل اليابان والولايات المتحدة.
وقد صرّح حاكم كامتشاتكا، فلاديمير سولودوف، بأن الزلزال يُعدّ الأقوى في المنطقة منذ عقود، بينما وصفه وزير الطوارئ في الإقليم، سيرغي ليبيديف، بأنه من بين أكثر الزلازل تهديداً لأرواح السكان والبنية التحتية الساحلية.
الزلازل البحرية، خاصة تلك التي تقع على عمق ضحل، تملك قدرة مخيفة على تحريك كميات هائلة من المياه خلال ثوانٍ، مسببة أمواج تسونامي قد تعبر آلاف الكيلومترات. هذه الأمواج لا تطرق الأبواب، بل تقتحم الشواطئ بعنف، مدمّرة كل ما في طريقها، كما حدث في تسونامي المحيط الهندي عام 2004 وزلزال اليابان عام 2011.
وفي حالة زلزال كامتشاتكا، ورغم أن موجات التسونامي التي أعقبت الهزة لم تصل إلى مستويات كارثية، فإن الحادثة ذكّرت العالم بأن الطبيعة لا تزال تحتفظ بحقّ الردّ في وجه الاستهتار البيئي والتنموي.
تغيّر المناخ وتحرك الصفائح: هل من رابط؟
رغم أن الزلازل تُصنّف تقليديًا ضمن الظواهر الجيولوجية المرتبطة بشكل مباشر بحركة الصفائح التكتونية، إلا أن التطورات العلمية الحديثة بدأت تكشف عن تداخلات أعمق بين تغيّر المناخ والاضطرابات الأرضية. فالسؤال الذي يفرض نفسه اليوم لم يعد "هل هناك علاقة؟" بل "إلى أي حدّ يمكن أن يؤثّر تغيّر المناخ في النشاط الزلزالي؟".
تشير أبحاث متقدمة إلى أن الاحترار العالمي، عبر ذوبان الأنهار الجليدية في القطبين والمناطق الجبلية، يؤدي إلى إزالة كتل جليدية هائلة كانت تمارس ضغطًا طويل الأمد على القشرة الأرضية. ومع زوال هذا الحمل، تبدأ القشرة في "الارتداد"، ما يُحدث خللاً في التوازن البنيوي للصفائح التكتونية، وقد يؤدي إلى إطلاق طاقة كامنة على شكل زلازل مفاجئة أو حتى نشاط بركاني.
وليس هذا فحسب، بل إن تغيّر المناخ يؤثّر كذلك في دورة المياه العالمية، ما يُحدث تبدّلات غير مسبوقة في أنماط هطول الأمطار والجفاف. هذه التغيرات المناخية قد تتسبب في تغيّر الضغط الأرضي على امتداد الفوالق، خصوصًا في المناطق الجافة التي تتعرض لفترات قصيرة من الأمطار الغزيرة. فعندما تتشبع التربة بالمياه بسرعة، يزداد وزنها وتؤثر مباشرة على الفوالق النشطة، ما يُمكن أن يسبب اهتزازات أرضية مفاجئة، وهي نظرية يشتغل عليها باحثو الجيوفيزياء في عدد من مناطق العالم.
ورغم أن هذا الرابط بين تغيّر المناخ والزلازل لا يزال محل نقاش علمي، إلا أن المؤشرات الحالية تدفع نحو إعادة النظر في النظرة التقليدية للزلازل باعتبارها مجرد ظواهر طبيعية معزولة. فالكرة الأرضية اليوم تُظهر تفاعلات أعقد بين أنظمتها الجوية والجيولوجية، مما يفرض علينا التعاطي مع الزلازل في سياق بيئي أشمل، يُدرج تغيّر المناخ ضمن العوامل المحفزة وربما المسرّعة للنشاط الزلزالي.
بيئتنا في عين العاصفة
الكوارث الطبيعية، كالزلازل والتسونامي، ليست مستجدات في تاريخ الأرض، لكنها أصبحت أكثر تكرارًا وضراوة في ظل تفاقم أزمة المناخ والتدهور البيئي الناتج عن أنشطة الإنسان الجائرة. فقد ساهمت إزالة الغابات، والتوسع العمراني العشوائي، والتعدي على النظم البيئية الهشة في تفاقم الأثر المدمر لهذه الظواهر. ولم تعد الأرض قادرة على امتصاص الصدمات أو التكيف مع التغيرات العنيفة التي فرضها الإنسان على توازنها الطبيعي.
من هذا المنطلق، تصبح مواجهة الكوارث الطبيعية مسؤولية بيئية بامتياز، تتطلب مقاربة شاملة تعيد بناء العلاقة بين الإنسان والطبيعة على أسس من الاحترام والحذر. فتعزيز استراتيجيات الوقاية لم يعد خيارًا، بل ضرورة بيئية وإنسانية، تبدأ من الاستثمار في البنى التحتية المستدامة، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، ولا تنتهي عند تغيير نمط تعاملنا مع الموارد الطبيعية.
كما يجب أن يتصدر التخطيط البيئي والعمراني المشهد، من خلال تجنب البناء في المناطق المعرضة للهزات الأرضية أو الفيضانات، واحترام حدود الأودية والسواحل والغابات، التي تمثل خط الدفاع الأول أمام الكوارث. فالتحدي الحقيقي اليوم لا يكمن فقط في إدارة الكارثة بعد وقوعها، بل في التنبؤ بها، والحد من مسبباتها، والعيش بانسجام أكبر مع كوكب يئنّ تحت وطأة الإهمال.
يتم قراءة الآن
-
هل تغزو الفصائل السوريّة البقاع؟
-
جهد رئاسي للوصول الى صيغة توافقيّة لحصريّة السلاح... وإلّا المجهول؟ حزب الله يزور عون في الرابية الاثنين... ولقاء قريب مع جنبلاط الانتخابات النيابيّة مفصليّة: الحريريّون باشروا التحضيرات... وتحالف «الاشتراكي» و«القوات»
-
عون في مُواجهة المخاطر: اشهد اني قد بلّغت لبنان بين خطابين... تباين لكن لا صدام داخلي إسرائيل تصعد...واتصالات لمنع انفجار الحكومة
-
الطفلة التي حاورت زياد قبل 29 عاماً: "منحبّك كتير بلا ولا شي"...
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
14:40
تحليق مسيّرات فوق قرى في صيدا
-
12:56
الحكومة الإيرانية: الحوار مع الدول الأوروبية الثلاث بشأن الملف النووي يواجه "تعقيدات متزايدة"
-
12:56
الحكومة الإيرانية: التركيز الأكبر لدى دول "الترويكا" هو على تبادل وجهات النظر أما التفاوض بمعنى السعي للتوصل لاتفاق فهو غير موجود حاليًّا
-
11:16
القناة 13 الإسرائيلية: رئيس الأركان إيال زامير لا ينوي الاستقالة رغم ضغوط الحكومة واليمين عليه
-
11:02
الدفاع المدني أخمد سلسلة حرائق في بلدات الدبية والبرجين وبكشتين في الشوف وفي بدنايل ومجدليا – الكورة
-
10:47
الجيش اللبناني: ما بين الساعة 10.45 والساعة 16.00، ستقوم وحدة من الجيش بتفجير ذخائر غير منفجرة في حقل الدامور – الشوف".
